الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

في شرط الراوي للحديث

          الفائدة السابعة: في شرط الراوي للحديث
          وهو أن يكون مكلفاً عدل رواية متقناً، ويعرف إتقانه بموافقة الثقات، ولا تضر مخالفته النادرة، ويقبل الجرح ممن بين سببه لا من غيره؛ للاختلاف فيما يوجبه بخلاف التعديل فلا يشترط بيان سببه، ورواية العدل عن آخر من غير بيان حاله لا تكون تعديلاً مطلقاً.
          وقيل: إن كانت عادته أن لا يروي إلا عن عدل كالشيخين يعني في ((الصحيحين)) فتعديل وإلا فلا، ولا يقبل مجهول العدالة عند الأكثر وهو من جهلت عدالته في الباطن، وكذا مجهول الحال وهو من لم تعلم عدالته في الباطن والظاهر، وكذا مجهول العين وهو في الاصطلاح من له راوٍ فقط، وهذا ما في (ألفية العراقي وشروحها).
          وقال ابن حجر في (نخبته وشرحها): فإن سمي الراوي وانفرد راوٍ واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك وإن روى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثق فهو مجهول الحال، وهو المستور، وقد قبل روايته جماعة من غير قيد، وردها الجمهور، والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، / بل هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين، ونحوه قول ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر، انتهى.
          وقال القسطلاني: ولا يقبل مجهول العدالة، وكذا مجهول العين إذا لم يعرفه العلماء، وبرفع الجهالة عنه رواية اثنين مشهورين بالعلم، وقيل: المستور جمع ورجحه ابن الصلاح، ولا يقبل حديث مبهمٍ ما لم يسم إذ شرط قبول الخبر العلم بعدالة ناقله، ومن لم يعلم اسمه كيف تعرف عدالته؟
          ومن غلط في حديثه فبين له غلطه وأصر عناداً مثلاً سقطت روايته، وكذا كثير السهو إن حدث من غير أصل مصحح، أو أكثر الشواذ والمناكير في حديثه، ولا يقبل ممن به بدعة كفر أو يدعو إلى بدعته مطلقاً، وإلا قبل كما سيأتي للبخاري في مواضع، بل وقع لغيره أيضاً قبول كثير من المبتدعة المذكورين، ويقبل من تاب منهم، وينبغي أن يعلم وقت من اختلط من الثقات؛ لفساد عقله فيقبل حديثه قبله لا بعده.
          ومن روى عنهم في ((الصحيح)): فمحمول على ذلك، وقد أعرضوا عن جميع هذه الشروط في زماننا؛ لإبقاء سلسلة الإسناد، فاكتفوا بالبلوغ والعقل والستر والإتقان.