الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مسجد بيت المقدس

          ░6▒ (بَابُ مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ): أي: فضلهِ، والمَقْدِس: بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال، وبضم الميم وفتح القاف والدال المشددة، والعلم: بيت المقدس، ويقال فيه: البيت المقدس، على الصفة ويقال فيه: القدُس _بضم الدال_ وقد تسكن تخفيفاً.
          قال النووي في ((التهذيب)) نقلاً عن الجوهري: القدْس والقدُس: الطُّهر، اسمٌ ومصدر، ومنه قيل للجنة: حظيرة القدس، والتَّقديس: التَّطهير، والأرض المقدَّسة: المطهَّرة.
          ثم قال فيه نقلاً عن أبي علي: وأما بيت المقدسِ _بالتخفيف_ فلا يخلو إمَّا أن يكون مصدراً أو مكاناً فإن كان مصدراً كان كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [الأنعام:60]، ونحوه من المصادر، وإن كان مكاناً: فالمعنى: بيت المكان الذي جعل فيه الطَّهارة، أو بيت مكان الطَّهارة، وتطهيرُهُ على معنى إخلائهِ من الأصنام وإبعادِه منها. انتهى.
          ولبيت / المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين، كما في ((فتح الباري))، منها ما تقدَّم وهي خمسةُ أسماء، ومنها: إيلياء _بالمد والقصر وكسر اللام، وبحذف الياء الأولى وإسكان اللام_ وعن ابن عبَّاس: إدخال الألف واللام على هذا الثالث، لكنَّه غريبٌ، كما قاله النووي.
          ومنها: شلم، قال في ((الفتح)): شَلَّم _بالمعجمة وتشديد اللام وبالمهملة_ وشَلَام _بمعجمة_ وسَلِم _بفتح المهملة وكسر اللام الخفيفة_ وأوْرِي سلم _بسكون الواو بعدها تحتانية ساكنة_ قال الأعشى:
وقدْ طفْتُ للمَالِ آفَاقَهُ                     دمشْقَ فحِمْصَ فأُوْرِي سَلِم
          انتهى.
          وفي ((القاموس)): شلم: كيَقُم وككتِف وجَبَلْ: اسمُ بيت المقدس، ممنوع للعجمة، أو هو بالعبرانية أورشلِم. انتهى.
          ثم قال في ((الفتح)): ومن أسمائهِ: كورة وبيت أيلٍ وصهيون ومصروث _آخره مثلثة_ وكورشيلا وبابوش _بموحدتين ومعجمة_ قال فيه: وقد تتبَّع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خَالويه اللغوي في كتاب ((ليس)). انتهى.
          ولم أر هذه الأسماء في ((القاموس))، ولعلها أعجميَّة.
          تذييلٌ: ذكرنا في ((كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهرَ من الأحاديثِ على ألسنة الناس)): أنه اشتهرَ ببيت المقدِس طستٌ من ذهبٍ مملوءٌ عقاربَ، وليس بحديثٍ بل يُنسب إلى التوراة، ورواه إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عُمير بلفظ: مكتوب في التوراة: بيت المقدس كأس من ذهب، بدل: طستُ من ذهب.
          وذكره في ((أنس الجليل)) بلفظ: وما يقال من أنَّ بيت المقدس طستٌ من ذهب مملوءٌ عقارب وأنه كأجمة الأسد فداخلُه إمَّا أن يسْلَم وإمَّا أن يدركه العطبُ، فقد حمل ذلك على زمن بني إسرائيل الذين كانوا يعملون فيه بمعاصِي الله، وأنَّ اللفظ المذكور، قيل: إنه مكتوبٌ في التوراة، قال بعضُ العلماء: وظاهر الخطاب يدلُّ على أنَّ العقارب بمعنى الأشرة كانت في ذلك الزمن موجودة، ولو أراد إقداماً من هذه الأمة لقال: املؤوها عقارب حتى يكون للمستَقبل، وأما اليوم فإنما فيه الطائفة المنصورة. انتهى، فاعرفه.