الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مسجد قباء

          ░2▒ (بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ): أي: باب فضيلة مسجد قُباء وهو بضم القاف فموحدة خفيفة ممدوداً عند أكثر اللغويين، وأنكر البكري قصره ولم يحكِ أبو علي فيه إلا المد، لكن حكاهُ صاحب ((العين)) وأنشد عليه الأنباري وقاسم في ((الدلائل)):
ولأَبغِيَنَّكُمُ قبا وعُوَارِضا                     ولأُقْبِلَنَّ الخَيْلَ لاَبَةَ ضَرْغَدِ
          ورد بأن الذي في البيت إنما هو قنا _بنون بعد القاف_ وهو جبل في ديار بني ذبيان، ولئن سلمنا أنه بالموحدة فيجوز كون القصر للضرورة. فتأمل.
          ويذكر فيصرف، ويؤنث فيمنع من الصرف، قاله الجوهري.
          وأما جزم صاحب ((المفهم)) بالتذكير قال: لأنه من قبوت أو قبيت، فليست همزته للتأنيث بل للإلحاق. انتهى.
          ففيه أن تأنيثه باعتبار أنه بقعة لا لألف التأنيث، فافهم.
          وقال الكرمانيُّ نقلاً عن ابن بطَّال: قباء: اسم موضع معروف، إن جعلته اسم موضع صرفته، وإن جعلته اسم بقعة فلا يصرف. انتهى.
          وهو على ثلاثة أميال من المدينة، كما في ((المطالع)).
          وقال ياقوت: قريةٌ على ميلين على يسار قاصد مكة، وقال الرشاطي: بينها وبين المدينة ستة أميال، فليتأمل الجمع.
          ولما نزل بها رسول الله لما هاجر وانتقل إلى المدينة اختط الناس بها الخطط، واتصل البُنيان بعضه ببعض، حتى صارتْ مدينة، وهي من عوالي المدينة، وسمِّيت باسم بئر هناك، ومسجد قباء هو مسجد بني عَمرو بن عوف، وهو أولُ مسجد أسسه رسولُ الله، قيل: هو المسجد الذي أسس على التقوى، وسيأتي في الهجرة أنه مسجد / المدينة على الصَّحيح.
          وفي العيني:قال عروة: كان مسجد قباء لامرأة يقال لها: لية، وكانت تربط فيه حماراً لها فابتناه سعد بن خيثمة مسجداً.
          قال أبو غسان: طوله وعرضه سواء: ست وستون ذراعاً، وطول ذرعه في السماء تسعة عشر ذراعاً، وطول رحبته التي في جوفه خمسون ذراعاً، وعرضها ست وعشرون ذراعاً، وطول منارته خمسون ذراعاً، وعرضها تسعة أذرع وشبر في تسعة أذرع، وفيه ثلاثة أبواب، وثلاثة وثلاثون أسطوانة، ومواضع قناديله أربعة عشر، ومصلى رسول الله فيه بعد صرف القبلة كان إلى حرف الأسطوان المخلق.