إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: صلوا على صاحبكم

          2289- وبه قال: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن بشير(1) بن فرقدٍ البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ) _بالتَّصغير_ مولى سلمة ابن الأكوع (عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ) واسمه سنانٌ، المدنيُّ، شهد بيعة الرِّضوان ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم إِذْ أُتِيَ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا) يا رسول الله، ولم يُسَمَّ صاحب الجنازة ولا الذي قال: «صلِّ عليها»، وفي حديث جابرٍ عند الحاكم: مات رجلٌ فغسَّلناه وكفَّناه وحنَّطناه ووضعناه حيث تُوضَع الجنازة عند مقام جبريل، ثمَّ آذنَّا رسول الله صلعم به (فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ) أي: الميت (دَيْنٌ؟) لأنَّه ◙ كان قبل أن تُفتَح عليه الفتوح إذا أُتي بمَدينٍ لا وفاء لدينه / قال لأصحابه: «صلُّوا عليه»، ولا يصلِّي هو عليه تحذيرًا عن الدَّين، وزجرًا عن المماطلة (قَالُوا: لَا) دَينَ عليه (قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا) لم يترك شيئًا (فَصَلَّى عَلَيْهِ)‼ زاده الله شرفًا لديه (ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ) ╕ : (هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ) عليه دينٌ، (قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا) لِدَينه؟ (قَالُوا): ترك (ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ) وللحاكم من حديث جابرٍ: ديناران، وعند الطَّبرانيِّ من حديث أسماء بنت يزيد: كانا دينارين وشطرًا، وجمع الحافظ ابن حجرٍ بين هذا بأنَّ من قال: «ثلاثة» جبر الكسر، ومن قال: «دينارين» ألغاه، أو كان أصلهما ثلاثةً، فوفى قبل موته دينارًا وبقي عليه ديناران، فمن قال: «ثلاثة» فباعتبار الأصل، ومن قال: «ديناران» فباعتبار ما بقي (فَصَلَّى عَلَيْهَا) ولعلَّه ╕ علم أنَّ هذه الثَّلاثة دنانير(2) تفي بدَينه بقرائن الحال أو بغيرها (ثُمَّ أُتِيَ بِـ)ـالجنازة (الثَّالِثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا) يا رسول الله (قَالَ: هَلْ تَرَكَ) الميت (شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا): نعم عليه (ثَلَاثَةُ(3) دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ) الحارث بن ربعيٍّ الأنصاريُّ: (صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ) صلعم ، وفي رواية ابن ماجه من حديث أبي قتادة نفسه، فقال أبو قتادة: أنا أتكفَّل به، زاد الحاكم في حديث جابرٍ فقال: «هما عليك وفي مالِكَ، والميتُ منهما بريءٌ»، قال: نعم، فصلَّى عليه، فجعل رسول الله صلعم إذا لقي أبا قتادة يقول: «ما صنعت الدِّيناران؟» حتَّى كان آخر ذلك أن قال: قد(4) قضيتهما يا رسول الله، قال: «الآن حين بردت عليه جلده»، وقد ذكر في هذا الحديث ثلاثة أحوالٍ وترك الرَّابع، وهو من لا دَينَ عليه وله مالٌ، وحكم هذا أنَّه كان يصلِّي عليه، ولعلَّه إنَّما لم يُذكَر لكونه كان كثيرًا، لا لكونه لم يقع، ولم يُسَمَّ أحدٌ من الموتى الثَّلاثة.
          ومطابقته للتَّرجمة ظاهرةٌ من قول أبي قتادة: «عليَّ دَينه»، وفي الرِّواية الأخرى: «أنا أتكفَّل به»، وقوله ╕ : «هما عليك وفي مَالِك والميت منهما بريءٌ»، وإلى هذا ذهب الجمهور، فصحَّحوا هذه الكفالة من غير رجوعٍ في مال الميت، وعن مالكٍ: له أن يرجع إن قال: ضمنت لأرجع، فإن لم يكن للميت مالٌ وعلم الضَّامن بذلك فلا رجوع له، وعن أبي حنيفة: إن ترك الميت وفاءً جاز الضَّمان بقدر ما ترك، وإن لم يترك وفاءً لم يصحَّ، وصلاته ╕ عليه وإن كان الدَّين باقيًا في ذمَّة الميت، لكنَّ صاحب الحقِّ عاد إلى الرَّجاء بعد اليأس، واطمأنَّ بأنَّ دَينه صار في مأمنٍ‼، فخفَّ سخطه وقَرُب من الرِّضاء.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الكفالة» [خ¦2295] وهو سابع ثلاثيَّاته، وأخرجه النَّسائيُّ أيضًا في «الجنائز».


[1] في (د): «بشر»، وهو تحريفٌ.
[2] في (ب) و(س): «الدَّنانير الثَّلاثة».
[3] «ثلاثة»: سقط من غير (د) و(س).
[4] «قد»: ليس في (د).