إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عتبان: كنت أصلي لقومي بني سالم وكان يحول بيني

          1185- 1186- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (إِسْحَاقُ) هو ابن رَاهُوْيَه، أو ابن منصورٍ، والأوَّل روى الحديث في «مسنده» بهذا الإسناد، إلَّا أنَّ في لفظه اختلافًا يسيرًا، ويُستَأنس للقول بأنَّه الأوَّل بقوله: (أَخْبَرَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوفٍ الزُّهريُّ؛ لأنَّ ابن رَاهُوْيَه لا يعبِّر عن شيوخه إلَّا بذلك، لكن في رواية كريمة وأبي الوقت وغيرهما: ”حدَّثنا يعقوب“ قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) إبراهيم بن سعْدٍ، بسكون العين (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ) بفتح الرَّاء وكسر الموحَّدة؛ ابن سُراقة (الأَنْصَارِيُّ: أَنَّهُ عَقَلَ) بفتحاتٍ، أي: عرف (رَسُولَ اللهِ صلعم ، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا) أي: رمى بها حال كونها (فِي وَجْهِهِ) يُداعِبُه بها استئلافًا لأبويه، وإكرامًا للرَّبيع (مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ) أي: البئر، وللحَمُّويي والمُستملي: ”كان“ أي: الدَّلو (فِي دَارِهِمْ، فَزَعَمَ) أي: أخبر (مَحْمُودٌ) المذكور، فهو من إطلاق(1) الزَّعم على القول (أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ) بكسر العين (الأَنْصَارِيَّ ☺ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا) أي: وقعة بدرٍ (مَعَ رَسُولِ اللهِ) ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”مع النَّبيِّ“ ( صلعم يَقُولُ: كُنْتُ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”يقول: إنِّي كنت“ (أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ) بموحَّدتين‼، وللهرويِّ: ”بني(2) سالمٍ“ بإسقاط الأولى منهما (وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ، إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ فَيَشُقُّ) بمثنَّاةٍ تحتيَّةٍ بعد الفاء، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فشقَّ“ بصيغة الماضي، وفي روايةٍ: ”يشقُّ“ بإثبات المثنَّاة وحذف الفاء (عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ) بجيمٍ ساكنةٍ ومثنَّاةٍ وزايٍ (قِبَلَ) بكسر القاف وفتح الموحَّدة، أي: جهة (مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي) وللأَصيليِّ: ”فقلت: إنِّي“ (أَنْكَرْتُ بَصَرِي) يريد به العمى، أو ضعف الإبصار (وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا) بالنَّصب على الظَّرفيَّة، وإن كان محدودًا لتوغُّله في الإبهام، فأشبه: خَلْفَ ونحوها، أو هو(3) على نزع الخافض (أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى) برفع المعجمة، والجملة في محلِّ نصبٍ(4) صفة لـ «مكانًا»، أو مستأنفة لا محلَّ لها، أو هي مجزومةٌ جوابًا للأمر، أي: إِنْ تصلِّ فيه أتخذْه موضعًا للصَّلاة (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ) وللهرويِّ والأَصيليِّ: ”فقال النَّبيُّ“ ( صلعم : سَأَفْعَلُ) زاد في الرِّواية الآتية: «إن شاء الله تعالى»، قال عِتبان: (فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ ☺ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ) في الرِّواية السَّابقة [خ¦425]: «حين ارتفع النَّهار» (فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَأَذِنْتُ لَهُ) فدخل (فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ) لي: (أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ) بضمِّ الهمزة، وللحَمُّويي والمُستملي: ”أن نصلِّي“ بنون الجمع (مِنْ بَيْتِكَ؟) قال عِتْبان: (فَأَشَرْتُ لَهُ) صلعم (إِلَى المَكَانِ(5) الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ) بهمزةٍ مضمومةٍ، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”يُصلِّي“ بمثنَّاةٍ تحتيَّةٍ مضمومةٍ مع كسر اللَّام (فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَكَبَّرَ) وفي نسخةٍ: ”مكبِّرًا(6) للصَّلاة“ (وَصَفَفْنَا) بفاءين (وَرَاءَهُ، فَصَلَّى) بنا (رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا) / بالواو، ولأبي الوقت: ”فسلَّمنا“ (حِينَ سَلَّمَ) ╕ (فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ) بفتح الخاء وكسر الزَّاي المعجمتين: طعامٍ (يُصْنَعُ) من لحمٍ ودقيقٍ غليظٍ(7) (لَهُ) ╕ (فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ) بالرَّفع(8)، أي: أهل المحلَّة (رَسُولَ اللهِ) ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: «أنَّ رسول الله» ( صلعم فِي بَيْتِي، فَثَابَ) بالمثلَّثة بعد الفاء وموحَّدةٍ بعد الألف، أي: جاء (رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي البَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟) هو: ابن الدُّخْشُن (لَا أَرَاهُ) بفتح الهمزة، أي: لا أبصره (فَقَالَ رَجُلٌ) آخر (مِنْهُمْ: ذَاكَ) أي: مالكٌ (مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا تَقُلْ ذَاكَ، أَلَا تَرَاهُ) بفتح التَّاء (قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟!) أي: ذاته (فَقَالَ) بالإفراد، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: «فقالوا»: (اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا) بفتح الهمزة وتشديد الميم، وللحَمُّويي والمُستملي: ”إنَّما“ (نَحْنُ فَوَاللهِ لَا) وفي نسخةٍ: ”ما“ (نَرَى وُدَّهُ وَلَا حَدِيثَهُ إِلَّا إِلَى المُنَافِقِينَ، قَالَ) بغير فاءٍ، وللهرويِّ والأَصيليِّ: ”فقال“ (رَسُولُ اللهِ صلعم : فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله) مع قول: محمَّدٌ رسول اللهِ (يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ) أي: ذاته، وهذه شهادةٌ منه ╕ له بإيمانه، وبأنَّه تشهَّد(9) مخلصًا نافيًا بها تهمة النِّفاق عنه‼ (قَالَ مَحْمُودٌ) بالإسناد السَّابق، زاد الهرويُّ والأَصيليُّ: ”ابن الرَّبيع“: (فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا) أي: رجالًا (فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ) خالد بن زيدٍ الأنصاريُّ (صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي غَزْوَتِهِ) سنة خمسين أو بعدها في خلافة معاوية، ودخلوا فيها إلى القسطنطينيَّة وحاصروها (الَّتي تُوفِّي فِيهَا) وأوصى أن يُدفن تحت أقدام الخيل ويُغيَّب قبرُه، فدُفِن إلى جدار القسطنطينيَّة كما ذكره ابن سعدٍ وغيره (وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان أميرٌ (عَلَيْهِمْ) من قِبَل أبيه معاوية (بِأَرْضِ الرُّومِ) وهي ما وراء البحر، وبها مدينة القسطنطينيَّة (فَأَنْكَرَهَا) أي: الحكاية، أو القصَّة (عَلَيَّ) بتشديد التَّحتيَّة(10) (أَبُو أَيُّوبَ) الأنصاريُّ (قَالَ) وللهرويِّ والأَصيليِّ: ”وقال“: (وَاللهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ) قيل: والباعث له على الإنكار استشكاله قوله: «إنَّ الله قد حرَّم على النَّار مَن قال: لا إله إلَّا الله» لأنَّ(11) ظاهره: لا يدخل أحدٌ من عصاة الموحِّدين النَّار، وهو مخالفٌ لآياتٍ كثيرةٍ وأحاديثَ شهيرةٍ، وأُجِيبَ بحمل التَّحريم على الخلود، قال محمود: (فَكَبُرَ) بضمِّ الموحَّدة، أي: عظم (ذَلِكَ) الإنكار من أبي أيُّوب (عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي)(12) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”فجعلت لله إن سلَّمني“(13) (حَتَّى أَقْفُلَ) بضمِّ الفاء، أي: أرجع(14) (مِنْ غَزْوَتِي) وللمُستملي: ”عن غزوتي“ (أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ ☺ إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ) قال في «الفتح»: وكأنَّ الحامل لمحمود على الرُّجوع إلى عِتبان ليسمع الحديث منه ثانيًا، أنَّ أبا أيُّوب لمَّا أنكر عليه اتَّهم نفسه بأن يكون ما ضبط القدر الَّذي أنكره(15) عليه (فَقَفَلْتُ) أي: فرجعت (فَأَهْلَلْتُ) أي: أحرمت (بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ) بالموحَّدة، وفي نسخةٍ بإسقاطها (ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ، فَإِذَا عِتْبَانُ) بن مالكٍ (شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ) وللأَصيليِّ: ”من صلاته“ (سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الحَدِيثِ) الَّذي حدَّثتُ به وأنكره أبو أيُّوب عليَّ (فَحَدَّثَنِيهِ) عِتبان (كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من قوله: «فقام رسول الله صلعم ، فكبَّر(16) وصففنا وراءه، فصلَّى ركعتين(17) ثمَّ سلَّم وسلَّمنا حين سلَّم».


[1] «إطلاق»: مثبتٌ من (د) و(س).
[2] في (د): «ابن».
[3] «هو»: ليس في (د).
[4] زيد في (ص) و(م): «أو».
[5] في (د): «للمكان».
[6] في (د): «مكبِّرًا...فكبَّر»، وهو تحريفٌ.
[7] «غليظٍ»: ليس في (ب) و(س).
[8] «بالرَّفع»: جاء في غير (س) بعد قوله: «رسول الله».
[9] في (ص): «شهد».
[10] «بتشديد التَّحتيَّة»: سقط من (س).
[11] «لأنَّ»: ليس (ص) و(م).
[12] زيد في (ص): «وسقط لفظ عليّ لأبي ذر».
[13] في (ص) و(د): «لأبي ذَرٍّ» بدل: «لأبوي ذر والوقت»، وزيد في (د): «والحمُّويي».
[14] زيد في (ب) و(س): «وسقط لفظ «حتَّى» لأبي ذَرٍّ»، وفيه تحريفٌ واضطرابٌ.
[15] في (د): «أنكر».
[16] قوله: «فكبر» زيادة من الحديث.
[17] قوله: «فصلّى ركعتين» زيادة من الحديث.