التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها

          2792- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنا وُهَيْبٌ: حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [خ¦2792].
          وفي حديث أبي هريرة: «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكم فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِمَّا تطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ، ولَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أوَ تَغْرُبُ» [خ¦2793].
          وفي حديث سهل: «الرَّوْحَةُ وَالغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [خ¦2794].
          وعند الترمذي من حديث الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»، وقال: حديث حسن غريب.
          وعند أحمد: قال النبي صلعم هذا لعبد الله بن رواحة حين تخلَّف عن غزوة مؤتة، فقال له النبي صلعم: «مَا خَلَّفَكَ؟ قال: أُجَمِّعُ مَعَ النبي صلعم، فقال:..» الحديث.
          وفي لفظ: «لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت غزوة ولا روحة».
          وعند مسلم عن أبي أيوب.
          وعمر بن الخطاب عند ابن عساكر، وقال: حديث غريب.
          وعبد الله بن بسر من حديث ابن سعيد.
          أبي أحمد من حديث علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة.
          وعند ابن أبي عاصم عن أبي الدرداء.
          وعند عبد الجبار، عن عروة بن عبد الله، عنه.
          وعند أبي يعلى الموصلي، عن الزبير بن العوام، بسند صالح.
          وعن معاوية بن خديج، رويناه عن المحاملي: حدَّثنا أَخُو كَرْخُوَيْهِ: حدثنا وَهْبُ بن جَرير، حدثنا أَبِي، سَمِعْتُ يَحيى بن أيُّوب يُحَدِّثُ، عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية، وعبد الله بن عباس، كلهم: «غدوة في سبيل الله أو روحة» الحديث.
          وعند أحمد من حديث ابن لهيعة، عن زبان، عن سهل بن معاذ، عن أبيه، أنه تأخر عن بَعْثٍ بُعِثَ فيه حتى صلَّى الظهر، فقال له سيدنا رسول الله صلعم: «أتدري بكم سبقك أصحابك؟» قال: نعم، سبقوني بغدوتهم. فقال: «والذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعد ما بين المشرقين والمغربين في الفضيلة» / . الغدوة: من طلوع الشمس إلى الزوال، من الغدو بضم الغين.
          والروحة: من الزوال إلى الليل.
          وقوله: (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا) قال المهلب: يريد: زمن الدنيا، لأن الغدوة والروحة في زمن، فيقال: إن ثواب هذا الزمن القليل في الجنَّة خير من زمن الدنيا كلها.
          وكذا قوله: (لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكم) أو (مَوضِعُ سَوْط في الجنَّة) يريد: أن ما صغر في الجنَّة من المواضع كلها من بساتينها وأرضها، فأخبر في هذا الحديث أن قصير الزمان وصغير المكان في الآخرة خير من طويل الزمان وكبير المكان في الدنيا، تزهيدًا وتصغيرًا لها، وترغيبًا في الجهاد، إذ بهذا القليل ليعطيه الله في الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها، فما ظنك بمن أتعب فيه نفسه فأنفق ماله؟.
          قال صاحب «العين»: قاب القوس: قدر طولها.
          وقال الخطَّابي: هو ما بين السيَّة والمقبض.
          وعن مجاهد: قدر ذراع.
          والقوس: الذراع بلغة أزد شنوءة.
          وقيل: القوس: ذراع يقاس به.
          وقال الداودي: قاب القوس ما بين الوتر والقوس.
          وفي «المخصص»: القوس أنثى، وتصغيرها بغير هاء، والجمع: أقواس، وقياس، وقِسِي، وقِسْي.
          قال القرطبي: قوله: (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا) يعني أن الثواب الحاصل على مشية واحدة في الجهاد خير لصاحبه من الدنيا كلها لو جمعت له بحذافيرها، وهذا منه صلعم إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا، وأما على التحقيق فلا تدخل الجنَّة مع الدنيا تحت أفعل، إلا كما يقال: العسل أحلى من الخل.
          وقيل: إن معنى ذلك أن ثواب الغدوة والروحة أفضل من الدنيا وما فيها لو ملكها مالك فأنفقها في وجوه البر والطاعة غير الجهاد.
          و(أو): هنا للتقسيم لا للشك، معناه: أن الغدوة تحصل بها هذا الثواب، وكذا الروحة، والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدوة أو الرواح من بلدته، بل يحصل هذا حتى بكل غدوة أو روحة في طريقه إلى العدو.
          وقال النووي: وكذا غدوة ورواحة في موضع القتال؛ لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل /  الله.
          ومعنى الحديث: إن فضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابها خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها، وتصور تنعمه بها كلها؛ لأنه زائل، ونعيم الآخر باق.