إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع

          6957- 6958- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (إِسْحَاقُ) هو: ابنُ رَاهُوْيَه كما جزم به أبو نُعيم في «المستخرج» قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بنُ همَّام بن نافع الحميريُّ، مولاهم أبو بكر الصَّنعانيُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (مَعْمَرٌ) هو: ابنُ راشد الأزديُّ مولاهم أبو عروة البصريُّ (عَنْ هَمَّامٍ) هو: ابنُ منبِّه (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ) وهو المال الَّذي يُخبَّأ من غير أن تُؤدَّى زكاته (يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا) بضم الشين المعجمة بعدها جيم، ذَكَرُ الحيَّات، أو الَّذي يقومُ على ذنبهِ ويواثب الرَّجل والفارس، وربَّما بلغ الفارس (أَقْرَعَ) لا شعرَ على رأسهِ؛ لكثرةِ سُمِّه وطولِ عُمُره (يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ) ولأبي ذرٍّ: ”ويطلبُه“ «بالواو» بدل: «الفاء»، (وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، قَالَ) صلعم : (وَاللهِ لَنْ يَزَالَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”لا يزال“ (يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ) صاحب المال (يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا) بضم التحتية وفتح الميم (فَاهُ) أي: يُلقم صاحبُ المال يدَه فَمَ الشُّجاع، وفي رواية أبي صالحٍ عن أبي هُريرة في «الزَّكاة» [خ¦1403] «فيأخذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ»(1) أي: يأخذ الشُّجاعُ يدَ صاحب المال بشدقيهِ، وهما اللِّهْزِمَتان(2).
          (وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) بالسَّند السَّابق: (إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ) بفتح النون والمهملة و«ما» زائدةٌ، أي: إذا مالك الإبل (لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا) أي: زكاتها (تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ تَخْبِطُ) بفتح الفوقية وسكون / المعجمة وكسر الموحدة بعدها طاء مهملة، ولأبي ذرٍّ: ”فتخبط“ (وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا) جمع: خفٍّ، وهو للإبلِ كالظُّلف للشَّاة.
          ومطابقةُ الحديثِ للتَّرجمة من حيث إنَّ فيه منع الزَّكاة بأيِّ‼ وجه كان من الوجوه المذكورة، قاله العينيُّ(3). وقال في «الفتح»: وفي رواية أبي صالحٍ: «مَن آتاهُ اللهُ مالًا فلم يؤدِّ زَكاته مُثِّل له يومَ القيامة شجاعًا أقرع» [خ¦1403]... فذكرَ نحو حديثِ الباب، قال: وبه تظهرُ مُناسبة ذكرهِ في هذا الباب.
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) يريدُ الإمام أبا حنيفةَ (فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا، أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ) الواجبةِ قبل الحول (بِيَوْمٍ احْتِيَالًا فَلَا بَأْسَ) ولأبي ذرٍّ: ”فلا شيءَ“ (عَلَيْهِ وَهْوَ) أي: والحال أنَّه (يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسَنَةٍ) ولأبي ذرٍّ: ”أو بسِتَّة“ بكسر السين بعدها فوقية مشددة بدل النون (جَازَتْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”أجزأتْ“ (عَنْهُ) التَّزكية قبل الحول، فإذا كان التَّقديم على الحول مُجْزئًا فليكن التَّصرف فيها قبلَ الحول غير مُسقط. وأُجيب بأنَّ أبا حنيفةَ لم يتناقضْ في ذلك؛ لأنَّه لا يوجب الزَّكاة إلَّا بتمامِ الحول، ويجعلُ من قدَّمها كمن قدَّم دينًا مؤجَّلًا قبل أن يحلَّ.


[1] في (د): «بلهمزتيه».
[2] في (د): «اللهمزتان».
[3] «قاله العيني»: ليست في (د) و(ع).