التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب سواك الرطب واليابس للصائم

          ░27▒ (باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَاليَابِسِ لِلصَّائِمِ)
          قوله: (وقال عامر بن ربيعة: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ) هذا الأثر أسنده الترمذي وحسنه كما تقدَّم في باب اغتسال الصائم، والغرض الآن بيان أن (ما) في قوله: (مَا لا أُحْصِي) موصوفة، و(لا أُحْصِي) صفتها، وهي ظرف لـ(يَسْتَاكُ)، وهو ثاني مفعولي (رَأَيْتُ)؛ لأنَّه خبر في الحقيقة، أي: رأيت النَّبي صلعم متسوكًا مدة لا أقدر على عددها، وفيه جواز السواك للصائم في جميع النهار، وعليه أكثر الفقهاء، لكن يكره عند الشافعية بعد الزوال، واختار النَّووي في «شرح المهذب»: أنَّه لا يكره.
          قلت: وفي حكم الصائم من أصبح ممسكًا في نهار رمضان؛ لعدم تبييت النية أو غير ذلك من الأسباب، فإنَّ المتجه / كما قاله بعض المتأخرين من الشافعية إلحاقه بالصائم في الكراهة المذكورة، فإن المعنى الذي ذكروه _ وهو أثر العبادة _ موجود في الممسك؛ لأنَّ الإمساك واجب، ولأجل ذلك ذهب بعضهم _ كما حكاه الفقيه نجم الدين أحمد ابن الرفعة في «كفايته» _ إلى أنَّه صوم شرعي، وكذا تنبغي الكراهة قبل الزوال لمن واصل الصوم؛ لأنَّ المعنى موجود فيه قبل الزوال كما هو موجود في حق غيره بعد الزوال والله أعلم.
          واعلم أنَّ عامر بن ربيعة هذا هو ابن كعب بن مالك بن ربيعة أبو عبدالله الغنوي حليف آل الحظاب له عن رسول الله صلعم اثنان وعشرون حديثًا، اتفق الشيخان عنه في حديثين، مات سنة ثلاث وثلاثين، وقِيلَ: سنة اثنين، وهو من البدريين، يروي عنه ابنه وابن عمر وأبو أمامة بن سهل، وكانت وفاته قبل عثمان.
          قوله: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم : لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ)
          هذا التعليق عن أبي هريرة أسنده النَّسائي وصححه ابن خزيمة، وأخرجه في «الموطأ» عن ابن شهاب عن حميد بن عبدالرَّحمن عن أبي هريرة أنَّه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء))، وهذا يدخل في المسند عندهم كما قال أبو عمر؛ لاتصاله من غير ما وجه، كذا رواه أكثر الرواة عن مالك، ورواه روح بن عبادة عن مالك به مرفوعًا، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث روح، واستدركه الحاكم بلفظ: ((لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء))، وفي لفظ: ((مع كل طهارة)).
          قوله: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَنِ النَّبِيِّ صلعم السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) وهذا التعليق عن عائشة أسنده النَّسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
          قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ) أخرجه ابن عبد الحميد في تفسيره عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عنهما.
          قوله: (وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ) يعني: نحو قوله: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي) الحديث، وهذا عن جابر أخرجه أبو نُعيم من حديث إسحاق بن محمَّد الفروي عن عبدالرَّحمن بن أبي الموالي عن عبدالله بن عقيل عنه بلفظ: لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
          قوله: (وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم) يعني: مثل ما رُويَ عن جابر، وحديث زيد هذا أخرجه أبو نُعيم أيضًا من حديث ابن إسحاق عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة عن زيد كذلك، ولعل البخاري أشار بقوله: (وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ) إلى آخره إلى هذا، وفر منهما؛ لأنَّ ابن إسحاق شَرَطَهُ في المتابعات لا في الأصول، وفي الأوَّل الفروي وابن عقيل، وهما أحسن حالًا منه، قاله ابن الملقِّن.
          قوله في السواك: (مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) فـ(مَطْهَرَةٌ) مصدر ميمي يجوز أن يكون بمعنى الفاعل، أي: مطهر للفم، و(مَرْضَاةٌ) أي: محصل لرضا الله تعالى، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول، أي: مرضي للرب، وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إنَّهما مثل: مبخلة / مَجبنة، أي: السواك مظنة الطهارة والرضى، أي: يحمل السواكُ الرجلَ على الطهارة ورضى الرب سبحانه، وعطف (مَرْضَاةٌ) يحتمل الترتيب بمعنى الإخبار عنها، وتفويض الترتيب إلى الذهن، فتكون الطهارة به علية الرضى، وأن يكونا مستقلين في العِلِيَّة، والـ(مَرْضَاةٌ) بكسر الميم وفتحها: اسم لكلِّ ما يتطهر به.
          واعلم أنَّ ذكر البخاري لحديث عثمان في باب السواك للصائم تابع فيه ابن سيرين حيث قال كما تقدَّم: لا بأس بالسواك الرطب، قيل: له طعم؟ قال: والماء له طعم وأنت تمضمض به.
          قيل: وهو سؤال لازم؛ لأنَّ الماء أرق من ريق السواك، مع أن المضمضة سنة، وإنَّما أدخل حديثه هنا، وقد سبق بطوله في الطهارة، وليس فيه شيء من أحكام الصيام للتعريض بتضعيف حديث: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))، ولم يفرق في هذا الحديث بين الصائم وغيره، كذا قال بعضهم، وحديث: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا)) رواه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم وابن السكن، وهو من رواية لقيط بن صَبِرَة، ولعل مقصوده بإيراد حديث عثمان العموم المستفاد من قوله صلعم : ((من توضأ نحو وضوئي هذا))، ولم يخص الصائم من غيره في المضمضة.