التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: شهرا عيد لا ينقصان

          ░12▒ (بَابٌ: شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ)
          قوله: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهُوَ تَمَامٌ) أي: إن كان ناقصًا في العدد؛ فهو تمام، أي: في الثواب، قال النَّووي: والأصح أن معنى قوله: (لا يَنْقُصَانِ): لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما، وقال ذلك لئلا يقع في قلوبهم إذا صاموا تسعة وعشرين، وقِيلَ: معناه: لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة غالبًا، وقِيلَ: لا يكونان ناقصين في الحكم وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب.
          قوله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ _يعني: البخاري_: لاَ يَجْتَمِعَانِ كِلاَهُمَا نَاقِصٌ) أي: لا يكاد يتفق نقصانهما جميعًا في سنة واحدة غالبًا، قال النَّووي كما قدمناه عنه: والصحيح أن معناه لا ينقص أجرهما وثوابهما وإن نقص عددهما، وثواب الكامل كثواب الناقص، والفضائل المرتبة على رمضان تحصل، سواء تم أو نقص، وقال ابن الأثير: قال بعضهم: أراد بهذا: تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة، فإنَّه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان، والحاصل في المراد بقوله صلعم : (شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ) أربعة أقوال:
          أحدها وهو قول البخاري ما ذكرناه، وهو أن الكلام خرج على الغالب، والغالب أنَّهما لا يجتمعان في النقص، فإن كان أحدهما تسعًا وعشرين؛ كان الأجر له كالثلاثين، قال الأثرم: وكان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا.
          والثاني: وهو ما حكاه ابن الأثير عن بعضهم.
          والثالث: إن الناس لما كثر اختلافهم في هذين الشهرين لأجل عيدهم وحجهم؛ أعلم صلعم أن الشهرين وإن نقصت أعدادهما؛ فحكمهما على التمام والكمال، وحكم العبادة لئلا يقع في القلوب شك إذا صاموا تسعًا وعشرين، أو وقع وقوفهم خطأ في الحج، فبين أن الثواب تام وإن نقص العدد، والمعنى: لا ينقص أجر من صامهما. حكى هذه الثلاثة أبو الفرج ابن الجوزي في «مشكل الصَّحيحين» عن أبي سليمان البستي.
          والرابع: إن الإشارة بهذا كانت إلى سنة معلومة، ذكره أبو بكر بن فورك، وحكاه عنه أبو الفرج أيضًا، وحكى ابن الملقِّن أنَّهما لا ينقصان حقيقة وإن نقصا في رأي العين بحيلولة حائل قاله ابن حبان.
          ثمَّ قال: فإن قلت: موضع العبادة من ذي الحجَّة لا يتأثر بالنقص؛ لأنَّ موضع العبادة منه / في أوله خاصة، فجوابه: إنَّه قد يكون في أيام الحج من النقصان والإغماء مثل ما يكون في آخر رمضان، وذلك أنَّه قد يغمى هلال ذي القعدة، ويقع فيه غلط بزيادة يوم أو نقصانه، وإذا كأنَّ ذلك فيقع وقوف الناس مرة ثامن ذي الحجَّة ومرة عاشره. وقد اختلف العلماء فيما إذا أخطأ الناس في الوقوف خطًا عمَّ الحجيج، فوقفوا قبل يوم عرفة أو بعده، والمرجح في مذهبنا: أنَّه إذا وقع في التقديم بأن وقفوا في الثامن عدم الإجزاء، وفيما إذا وقع بالتأخير، فوقفوا في الحادي عشر عدم الإجزاء قطعًا، وإن وقع في العاشر أجزأ؛ لأنهما لا ينقصان عند الله من أجر المتعبدين بالاجتهاد، كما لا ينقص أجر رمضان الناقص.