التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: إذا نوى بالنهار صومًا

          ░21▒ (باب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا).
          قوله: (وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِنْ قالت: لا، قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا) تعليق أبي الدرداء هذا أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الوهَّاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أم الدرداء به.
          واعلم أنَّ غرض البخاري من هذا التبويب إجازة صيام النفل بغير تبييت، وقد روي ذلك عن ابن مسعود وأبي أيوب، وذكره الطحاوي عن عثمان، وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وكلُّهم يجيزون النية في النفل نهارًا، محتجِّين بحديث سلمة بن الأكوع في الباب، لكن تكون النية فيه قبل الزوال، وجوزه الكوفيون بعد الزوال، قال الداوودي: فعل أبي الدرداء ومن معه يحتمل أن يكون ليلًا، ويعارضه قوله: (يَوْمِي هَذَا)، إلا أن يُحمَل على قوت اليوم، فيكون سؤالهم عن ذلك قرب الفجر، ويحتمل أن يكون نووه ليلًا، ثمَّ سألوا عن الطعام فلما لم يجدوه آثروا كمال صيامهم، فقالوا: إنَّا صيام، أي: مستديمون ما كنَّا عليه من الصيام.
          قوله: (وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ) هذا الأثر عن أبي طلحة أخرجه ابن أبي شيبة عن الثقفي ويزيد عن حميد عن أنس: أن أبا طلحة كان يأتي أهله، فيقول: هل عندكم من غداء؟ فإن قالوا: لا، قال: إني صائم، زاد الثقفي: وإن كان عندهم أفطر، وروى مسلم عن عائشة قالت: دخل علي النَّبي صلعم ذات يوم، فسأل: ((هل عندكم شيء؟)) قلنا: لا، قال: ((فإني إذًا صائم))، ثمَّ أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: ((أرنيه، لقد أصبحت صائمًا، فأكل))، وفي رواية الدارقطني والبيهقي في الأول: ((إني إذًا أصوم))، وفي الثاني: «إني إذًا أفطر، وإني كنت قد فوضت الصوم»، وقالا: إسناده صحيح، وفيه جواز الخروج من صوم النفل، وأنَّه لا يلزم بالشروع فيه. وأثر أبي هريرة رواه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبيدالله بن عمر قال: إن أبا هريرة كان يصبح مفطرًا، فيقول: هل من طعام؟ فيجده أو لا يجده، فيتم ذلك اليوم.
          وأثر حذيفة رواه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن الثوري عن الأعمش عن طلحة عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبدالرَّحمن السلمي عن حذيفة: أنَّه بدا له أن يصوم بعدما زالت الشمس فصام، وفي لفظ: من بدا له الصيام بعد أن تزول الشمس فليصم، رواه البيهقي بإسناد صحيح، وهو ما نص عليه الشافعي في حرملة، لكن مشهور مذهبه اختصاص نيته بما قبل الزوال. وأثر ابن عبَّاس قال ابن حزم: رواه طاوس عنه بلفظ: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار.