التلقيح لفهم قارئ الصحيح

معلق ابن أبي شيبة: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة

          5933- قوله: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ): لم يعيِّنه المِزِّيُّ في «أطرافه»؛ بل قال: (البُخاريُّ في «اللِّباس»: «قال ابنُ أبي شيبةَ عن يونس...») إلى آخره، والظَّاهر: أنَّه أبو بكر ابنُ أبي شيبة الحافظُ المُصنِّفُ، وذلك؛ لأنِّي راجعتُ «الكمال» لعبد الغنيِّ الحافظِ؛ فرأيتُه ذكر أبا بكر فيمَن روى عن يونس بن مُحَمَّد، ولم يذكر أخاه عثمانَ، والله أعلم، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان)، وفلانٌ المُسنَد إليه القولُ شيخُه _كهذا_؛ فإنَّه كـ(حدَّثنا)، غير أنَّ الغالب أَخْذُه ذلك عنه في حال المذاكرة [خ¦142]، والله أعلم، و(يُونُسُ): هو يونس بنُ مُحَمَّد المُؤدِّبُ البغداديُّ، و(فُلَيْحٌ): هو ابن سليمانَ، وقد تقدَّمَ أنَّه بضَمِّ الفاء، وفتح اللَّام؛ مُصغَّرًا.
          قوله: (لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ): أمَّا (الواصلةُ)؛ فهي التي تَصِلُ شعرَها بشعرٍ غيرِه، و(المُسْتوصِلةُ): التي تَسْتدعي ذلك مِن غيرها، وهي أيضًا المَوصولةُ، وأمَّا (المُوصِلةُ)؛ فهي الواصلةُ، وهذا معروفٌ، وقد ذكر ابنُ الأثير الكلامَ عليه، ثُمَّ قال: (رُوِيَ عن عائشة أنَّها قالت: «ليست الواصلةُ بالتي تَعْنُون، لا بأس أن تَعْرَى المرأةُ عنِ الشَّعر، فتصل قرنًا من قُرونها بصوفٍ أسودَ، وإنَّما الواصلةُ التي تكون بغيًّا في شَبيبتِها، فإذا أسنَّت؛ وصلَتْها بالقِيادة»، قال أحمد ابن حنبل لمَّا ذُكِر له ذلك: ما سمعتُ بأعجبَ مِن ذلك)، انتهى، وما أظنُّ هذا التَّفسيرَ يصحُّ عن عائشة ♦، ولا أنَّ عائشة تقولُ بجواز وصل الشَّعر، ثُمَّ إنِّي رأيتُ الشيخ محيي الدِّين النَّوويَّ في «شرح مسلم» قال ما لفظه: (واختلف العلماءُ في المسألة؛ فقال مالكٌ والطَّبَريُّ وكثيرون _أو الأكثرون_: الوصلُ ممنوعٌ سواءً وصله بشعرٍ، أو بصوفٍ، أو خِرَقٍ....) إلى أن قال: (قال اللَّيث بن سعد: النَّهي مُختصٌّ بالوصل بالشعر، ولا بأس بوصله بصوفٍ أو خِرَقٍ أو غيرِها، وقال بعضهم: يجوزُ جميع ذلك، وهو مرويٌّ عن عائشة، ولا يصحُّ عنها؛ بل الصَّحيح عنها كقول الجمهور)، انتهى، وأمَّا كلامُ أحمدَ؛ فالذي فهمتُه منه: التعجُّبُ مِن أن يُنسَب مثلُ هذا لعائشةَ، لا أنَّه استحسنه، والله أعلم، ثُمَّ إنِّي رأيتُ شيخَنا ذكرَ هذا القول عن عائشة _أعني: جوازَ الوصل في الشعر_ فقال: (وسألها ابن أَشْوَع، فقالت هذا القولَ المنقولَ عنها هنا)؛ وهو وصل المرأة الزِّنى بالقِيادة... / إلى أن قال: (قال الطَّبَريُّ: وأمَّا خبرُ ابن أَشْوَع عن عائشة؛ فهو باطلٌ؛ لأنَّ رُواته لا يُعرَفون، وابنُ أشوع لم يُدرِكْ عائشةَ)، انتهى، وقال بعضُ الحُفَّاظ المُتَأخِّرين ما لفظه: (كيف يجتمعُ قوله: «سألها»، وقول الآخر: «لم يدركها»؟! يمكن الجوابُ: بأنَّ الذي سألها غيرُ الذي لم يدركها)، انتهى.