التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة

          3319- قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمَه عبدُ الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج) عبدُ الرَّحْمَن بن هُرمُز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبدُ الرَّحْمَن بن صخرٍ.
          قوله: (نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ): تَقَدَّمَ الكلامُ على هذا النَّبيِّ أنَّه عُزَيرٌ في (الجهاد)، وذكرتُ هناك من عند أبي داود والحاكم: «ما أدري أعزيرٌ نبيٌّ أم لا»، ورأيتُ في كلام المحبِّ الطَّبَريِّ عن الحكيم التِّرْمِذيِّ: أنَّه موسى [خ¦3019].
          قوله: (فَأَمَرَ بِجَـِهَازِهِ): يجوز في جيمه الفتح والكسر؛ أي: متاعه.
          قوله: (فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا): (أُخرِج): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهِرٌ، وكذا (فَأُحْرِقَ).
          قوله: (فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً): (نملةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن؛ أي: فهلَّا عاقبت نملةً واحدةً، وهي التي قرصتكَ، وبالنصب ضبطه بعض الحُفَّاظ، وهو النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ»، ورأيته بالرفع مع التنوين بخطِّ شيخنا الأستاذ أبي جعفر في نسخته بـ«البُخاريِّ»، وبالنصب به، وكذا (واحدةً)، وما قاله يجوز من حيث العربيَّةُ، ولكنَّ الذي ضبطه بعض الحُفَّاظ _وهو النَّوويُّ_ بالنصب مع التنوين، و(واحدة): صفةٌ له، والله أعلم.
          تنبيه: هذا الحديث محمولٌ على أنَّ شرع ذاك النَّبيِّ كان فيه جوازُ قتل النمل، وجوازُ الإحراق بالنَّار، ولم يُعتَب [عليه] في أصل القتل والإحراق، بل في الزيادة على نملةٍ، / وأمَّا في شرعنا؛ فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان، إلَّا إذا أحرق إنسانٌ إنسانًا، فمات به، فلوليِّه الاقتصاص به، وأمَّا قتلُ النمل؛ فلا يجوز في مذهب الشَّافِعيِّ، واستُدِلَّ له بحديثٍ رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرطهما: «نُهيَ عن قتل أربعٍ من الدوابِّ: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد».
          تنبيه آخر: يحرم قتل النمل؛ لورود النهي عنه، كذا قال الرافعيُّ، وتابعه في «الروضة» على إطلاق تحريم قتل النمل، وهذا في النمل الكبير، وقد ذكر الخَطَّابيُّ في «معالمه»: (أنَّ النمل على ضربين؛ أحدهما: مؤذٍ ضرَّارٌ، فدفع عاديته جائزٌ، والضرب الآخر: الذي لا ضرر فيه، وهو الطِّوال الأرجلِ، فلا يجوز قتلُه)، انتهى.
          وقال شيخ شيوخنا الفقيه العلَّامة جمال الدين عبد الرحيم الإسنويُّ القاهريُّ: (أمَّا النمل الصغير؛ ففي «شرح المهذَّب» المسمَّى بـ«الاستقصاء» نقلًا عن «الإيضاح» للصَّيْمريِّ: أنَّه [لا](1) يحرم قتله؛ لأنَّه مؤذٍ، وأقرَّه عليه، قال: وقد سُئِل ابن عَبَّاسٍ عن قتل المُحرِم لها، فقال: تلك ضالَّةٌ لا شيء فيها، وذكر البغويُّ أيضًا في «شرح السُّنَّة»: جوازَ قتلها)، انتهى، ذكر ذلك في «المهمَّات» في (الأطعمة)، وقد ذُكِر في (الحجِّ)، والله أعلم، وقال شيخنا: (كره مالكٌ قتله لمن آذاه، وقيل: إنَّما يقتلها مَن كان قاطنًا غيرَ مسافرٍ وعسُر عليه الانتقال، ولم يجد ما يزيله به، فيقتلها حينئذٍ بغير النار)، انتهى.


[1] (لا) سقط من (ب)، ومكشوطٌ عليه في (أ)، وأُثبِت من مصدره.