عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام
  
              

          1188- 1189- (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ أربعًا قَالَ: سَمِعْتُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً.
          (ح) : وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْريِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».
          (ش) هذان إسنادان:
          الأَوَّل: لحديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ.
          والثاني: لحديث أبي هُرَيْرَة، ولكنَّه لم يتمَّ متن حديث أبي سعيدٍ، واقتصر على قوله: وكان غزا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ثنتي عشرة غزوة، وسيذكر تمامه بعد أربعة أبوابٍ في (باب مسجد بيت المقدس) وتمامه مشتملٌ على أربعةِ أحكامٍ:
          الأَوَّل: في منع المرأة عنِ السفر بدون الزوج أو المَحرم.
          والثاني: في منع صوم يومي العيدين.
          والثالث: في منع الصلاة بعد الصبح حَتَّى تطلعَ الشمس وبعد العصر حَتَّى تغرب.
          والرابع: في منع شَدِّ الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد، وحديث أبي هُرَيْرَة مشتملٌ على الحكم الرابع فقط، ولما كان الحديثان مشتركين في هذا اقتصر في حديثِ أبي سعيدٍ على ما ذكره طلبًا للاختصار، وقيل: كأنَّه قصد بذلك الإغماض لينبِّه غير الحافظ على فائدة الحفظ، وظَنَّ الداوديُّ أنَّهُ ساق الإسنادين لِمَتن حديث أبي هُرَيْرَة، وليس كذلك لاشتمال حديث أبي سعيدٍ على الأشياء المذكورة.
          ثُمَّ وَجهُ مطابقة حديثِ أبي هُرَيْرَة للترجمة ظاهرةٌ، لا يقال: ليس فيه لفظ الصلاة؛ لأنَّا قد ذكرنا عن قريبٍ أنَّ المراد مِنَ الرِّحلة إلى المساجد المذكورة قصدُ الصلاة، وأَمَّا وجه مطابقة حديثِ أبي سعيدٍ للترجمة فمِن حيث إنَّهُ مشترك لحديث أبي هُرَيْرَة في الحكم الرابع كما ذكرناه، وإن لم يذكره ههنا مَعَ أنَّهُ ما أخلاه عنِ الذكر على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.