الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله

          ░2▒ (بابُ مَا يَجُوزُ) أي: يصِحُّ، وقولُه: (مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ) بيانٌ لـ((ما)) أي: من الشُّروطِ المتعلِّقةِ بالمكاتَب _بفتح التاء_ سواءٌ شرطَها السيدُ أو الرقيق (وَمَنِ اشْتَرَطَ) عطفٌ على ((ما)) أي: وبابُ مَنِ اشترَطَ (شَرْطاً لَيْسَ) وفي بعض الأصول: <شروطاً ليسَتْ> (فِي كِتَابِ اللَّهِ) أي: في القرآنِ نصَّاً أو استنباطاً.
          قال في ((الفتح)): جمعَ في هذه الترجمةِ بين حُكمَين، قال: وكأنه فسَّرَ الأولَ بالثاني، وأنَّ ضَابطَ الجوازِ ما كان في كتابِ اللهِ، وما ليس في كتابِ الله ما خالفَ كتابَ اللهِ تعالى.
          وقال ابنُ بطَّالٍ: المرادُ بـ((كتابِ الله)) هنا حُكمُه من كتابِهِ أو سنَّةِ رسولِهِ أو إجماعِ الأمَّةِ، وقال ابنُ خُزَيمةَ: معنى: ((ليسَ في كتابِ الله)) أي: ليس في حُكمِ الله جوازُه أو وجوبُه، لا أنَّ مَن شرطَ شَرطاً لم ينطِقْ به الكتابُ بطَلَ؛ لأنه قد يشترِطُ في البيعِ الكفيلَ، فلا يبطُلُ الشَّرطُ، وقد يشترِطُ في الثَّمن شُروطاً من أوصافِه أو من نجومِه ونحوِ ذلك، فلا يبطُلُ، فالشروطُ المشروعةُ صَحيحةٌ، وأما غيرُها فهي باطلةٌ.
          وقال النوويُّ: قال العلماءُ: الشَّرطُ في البيعِ أقسامٌ:
          أحدُها: شرطٌ يقتضيهِ إطلاقُ العقد، كشَرطِ تسليمِهِ.
          ثانيها: شرطٌ فيه مصلحةٌ كالرهنِ والكفيل، وهما جائزانِ اتفاقاً.
          ثالثها: اشتراطُ العتقِ في العبدِ، وهو جائزٌ عند الجمهورِ؛ لحديثِ عائشةَ في قصَّةِ بَريرةَ.
          رابعها: ما يزيدُ على مُقتَضى العقدِ، ولا مصلحةَ فيه للمُشتري، كاستِثناءِ منفعتِه، فهذا باطل.
          وقال القُرطبيُّ: معنى: ((ليس في كتاب الله)) أي: ليس مشروعاً في كتابِ الله تأصيلاً ولا تفصيلاً، ومعنى هذا أنَّ من الأحكام ما يوجدُ تفصيلُه في كتابِ الله، كالوضوء، ومنها / ما يوجَدُ تأصيلُه دونَ تفصيلِه، كالصلاة، ومنها ما أُصِّلَ أصلُه كدِلالةِ الكتابِ على أصليَّةِ السُّنةِ والإجماع، وكذلك القياسِ الصحيح، فكلُّ ما يُقتبَسُ من هذه الأصول تفصيلاً فهو مأخوذٌ من كتابِ الله تأصيلاً، انتهى، فاعرِفْه، فإنه نَفيسٌ.
          (فِيْهِ) أي: في الباب (ابْن عُمَرَ) أي: ابنِ الخطَّابِ؛ أي: حديثُه، كذا لغير أبي ذرٍّ، وله: <فيه عنِ ابنِ عمرَ بنِ الخطَّاب>.
          وقوله: (عَنْ النَّبِيِّ صلعم) سقطَ لأبي ذرٍّ، قال في ((الفتح)): كأنه أشار بذلك إلى حديثِ ابنِ عمرَ الآتي في الباب.