التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: عرضت علي الأمم فأخذ النبي يمر معه الأمة

          6541- قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه مُحَمَّد بن فُضَيل بن غزوان الضَّبِّيُّ مولاهم، الحافظ، و(فُضَيل): بضَمِّ الفاء، وفتح الضاد المُعْجَمة، و(حُصَيْنٌ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ الأسماء بالضَّمِّ، والكنى بالفتح [خ¦110]، وهو ابن عبد الرَّحْمَن السُّلَميُّ.
          قوله: (وَحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ): (أَسِيد): بفتح الهمزة، وكسر السين، وهو أَسِيد بن زيد بن نَجِيح الجمَّال؛ بالجيم، روى عنه البُخاريُّ حديثًا واحدًا؛ وهو هذا الذي نحن فيه مقرونًا كما تراه هنا، أبو مُحَمَّد الكوفيُّ، قال ابن معين: (كذَّاب)، وقال النَّسائيُّ: (متروك)، وقال ابن عديٍّ: (عامَّة ما يرويه لا يُتابَع عليه)، لم يخرِّج له سوى البُخاريِّ مقرونًا بعِمران ابن ميسرة، لأَسِيد ترجمةٌ في «الميزان»، وفيها: أنَّه تُوُفِّيَ قبل العشرين ومئتين، انتهى، وقد اتَّهمه ابنُ الجوزيِّ في «موضوعاته» في حديثٍ في فضل عائشةَ ♦ بأنَّه وضعه، و(هُشَيْمٌ) بعده: هو ابن بَشِير، تَقَدَّمَ مِرارًا، وأنَّه حافظ بغداد، و(حُصَيْن): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه ابن عبد الرَّحْمَن.
          قوله: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ): (عُرِضَت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(عَلَيَّ): جارٌّ ومجرورٌ.
          قوله: (فَأَخَذَ النَّبِيُّ): (أخَذَ): بالخاء والذال المعجمتين المفتوحَتَين، كذا في أصلنا الذي سمعنا منه على العِرَاقيِّ، فـ (النَّبيُّ) على هذه: مَرْفُوعٌ فاعلٌ، ورأيتُ في أصلنا الدِّمَشْقيِّ: (فَأَجِدُ)؛ بفتح الهمزة، وكسر الجيم، وبالدال المُهْمَلة، من الوِجْدان، فـ (النَّبيَّ) على هذه: مَنْصُوبٌ مفعولٌ.
          قوله: (فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ): أي: أشخاصٌ كثيرةٌ.
          قوله: (إِلَى الأُفُقِ): تَقَدَّمَ أنَّ (الأُفُق) بضَمِّ الهمزة والفاء وتُسَكَّن: جانب السماء [خ¦3234].
          قوله: (لَا يَكْتَوُونَ): تَقَدَّمَ الكلام على (الكَيِّ)، وعلى الجمع بين أحاديثه، وأنَّها أربعةُ أنواعٍ، في (كتاب الطِّبِّ) [خ¦5680].
          قوله: (وَلَا يَسْتَرْقُونَ): تَقَدَّمَ أنَّ ما رواه مسلمٌ: «لا يرقون ولا يسترقون» مقحمةٌ في الحديث، وأنَّ الصوابَ ما رواه البُخاريُّ بحذف (يرقون)، وأنَّ ابنَ تيمية أبا العَبَّاس نبَّه عليه [خ¦5705].
          قوله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ): تَقَدَّمَ الكلام على (الطِّيَرَة) [خ¦5707].
          قوله: (فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (عكَّاشة) بالتشديد ويُخَفَّف، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته، وتَقَدَّمَ ضبط (مِحْصَن)، وما قاله ابن قُرقُول في أخته أمِّ قيس بنت(1) مِحْصَن نقلًا [خ¦5705].
          قوله: (ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ): تَقَدَّمَ أنَّه سعد بن عبادة سيِّد الخزرج [خ¦5705]، وقد يُجاب عن قوله: «سبقك بها عكَّاشة»: بأنَّه لم يبلغ منزلةَ عكَّاشة؛ لكونه شهد بدرًا، وهذا من معاريضِ الكلام، والرِّفقِ في الخطاب، وقد وقع في «صحيح مسلم»: أنَّ سعدَ بن عبادة شهد بدرًا، وهو غيرُ معروفٍ عند أهل السِّيَر، قال أبو الفتح ابن سَيِّد النَّاسِ في شهوده بدرًا: (لم يصحَّ)، انتهى، أو أنَّه لم يهتمَّ كما اهتمَّ عكَّاشةُ، بل جلس حتَّى قام عكَّاشة، أو أنَّه لم يكن فيه تلك الشروط، والله أعلم، ويحتمل في كونه ليس منهم التنبيهُ على فضيلة السَّبْق إلى القُربات، ولو أجابه؛ لم يكن للسَّابقِ مزيَّةٌ، وهو قريبٌ من الثاني، أو هو هو، والله أعلم.
          تنبيهٌ: ذكر السُّهَيليُّ في «روضه» ما لفظه _وذكر قول النَّبيِّ صلعم لعكَّاشة حين قال: ادعُ الله يا رسول الله أن يجعلني منهم، فدعا له، ثُمَّ قام رجلٌ آخَرُ، فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: «سبقك بها عكَّاشة»_: (هذا الحديث في «الصحاح»، وزاد ابن إسحاق: «وبَرَدَتِ الدَّعوةُ»، وذكر أبو عمر النَّمريُّ عن بعض أهل العلم _ولم يسمِّه_: أنَّ الرجلَ الذي قيل له: «سبقك بها عكَّاشة» كان منافقًا، ولذلك لم يدعُ له النَّبيُّ صلعم)، قال السُّهَيليُّ: (وهذا لا يصحُّ؛ لأنَّ في «مسند البزَّار» من طريق أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث: «فقام رجلٌ من خِيار المهاجرين، فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم»، قال ابن بَطَّال: معنى قوله: «سبقك بها عكَّاشة»؛ أي: سبقك بهذه الصِّفَة التي هي صِفَةُ السبعين ألفًا؛ ترك التطيُّر ونحوه، ولم يقل: لستَ منهم ولا على أخلاقهم؛ لحسن أَدَبِه ◙، وتلطُّفِه في الكلام، لا سيَّما مع أصحابه الكرام).
          قال السُّهَيليُّ: (والذي عندي في هذا الحديث أنَّها كانت ساعة إجابة علِمها ◙، فلمَّا انقضت؛ قال للرجل ما قال، يبيِّن هذا الحديثَ حديثُ أبي سعيد الخُدْريِّ، فإنَّه قال فيه بعد ذكر عكَّاشة: فقام رجلٌ آخَرُ، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «اللهمَّ؛ / اجعله منهم»، ثُمَّ سكتوا ساعةً يتحدَّثون، ثُمَّ قام الثالث فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «سبقك بها عكَّاشة وصاحبُه، ولو قلتُ؛ لقلتُ، ولو قلتُ؛ لوجبت»، وهي في «مسند ابن أبي شيبة»، وهو في «مسند البزَّار» أيضًا، ويقوِّي هذا المعنى أيضًا روايةُ ابن إسحاق، فإنَّه زاد: فقال: «سبقك بها عكَّاشة، وبَرَدَت الدعوة»؛ فَقِفْ على ما ذكرتُه في تفسير حديث عكَّاشة، فإنَّه من فوائد هذا الكتاب)، انتهى، وقال غيره: (وفي امتناعه أن يدعُوَ للرجل الثاني سدُّ باب الطلب، فإنَّه لو دعا لكلِّ مَن سأله ذلك؛ فربَّما طلبه مَن ليس مِن أهله)، والله أعلم.


[1] في (أ): (بن)، ولعلَّ المُثبتَ هو الصَّوابُ.