التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي

          6452- قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الحَدِيثِ): (أبو نعيم): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، وقوله: (بنحوٍ من نصف هذا الحديث)؛ يعني: الحديثَ الآتيَ الذي يسوقه، وليس له شيخٌ في هذا الحديث، مُطَوَّلًا كما هنا، إنَّما أخرجه في (الاستئذان) عن أبي نُعَيم هذا، وعن مُحَمَّد ابن مقاتل عن عبد الله بن المبارك؛ كلاهما عن عمرَ بن ذرٍّ [عن مجاهد] عن أبي هريرة ببعضه... إلى قوله: (فدخلوا) [خ¦6246]، وأعاده هنا عن أبي نُعَيم وحدَه كما ترى بطوله، فقال: (حدَّثنا أبو نُعَيم بنحوٍ من نصف هذا الحديث...)؛ فذكره أجمعَ، وقد أخرجه التِّرْمِذيُّ في (الزهد) عن هنَّاد بن السَّريِّ، عن يونس بن بُكَيْر، عن عمرَ بن ذرٍّ به، وقال: (صحيحٌ)، وأخرجه النَّسائيُّ في (الرقائق) عن أحمد بن يحيى عن أبي نُعَيم به، (حديث أحمد بن يحيى ليس في الرواية، ولم يذكره أبو القاسم)، انتهى.
          والظاهر أنَّ المراد بقوله: (بنحوٍ من نصف هذا الحديث): النصف الأوَّل، فيَحتمل أنَّ باقيَه إجازةٌ، أو يكون وِجادةً، ولم يحدِّث البُخاريُّ في هذا الحديث الصحيح بالإجازة _خلافًا لابن منده، وقد تَقَدَّمَ كلامه [خ¦3/7-116]_، ولا بالوِجادة _فيما أعلم_، ولا بالمناولة، خلافًا لأبي عمرو مُحَمَّد بن أبي جعفر بن حمدان الحيريِّ، فإنَّه قال: (كلُّ ما قال البُخاريُّ: «قال فلانٌ»؛ فهو عرضٌ ومناولةٌ)، وابن مَنْده جعلها إجازةً، وبعضُهم جعلها من أقسام التعليق.
          قال شيخُنا الشارح: (ولعلَّه النصفُ المشارُ إليه ههنا)، انتهى، وقد ذكر شيخُنا العِرَاقيُّ في «النكت على ابن الصلاح» هذا الحديثَ؛ فانظره في (السماع على نوعٍ من الوهن أو عن رجلين)، والله أعلم، وها أنا أسوق لك ما قاله فيها، قال شيخُنا العِرَاقيُّ: (وقد بيَّن البُخاريُّ في موضعٍ آخَرَ من «صحيحه» القَدْرَ الذي سمعه من أبي نُعَيم من هذا الحديث، أو بعضَ ما سمعه منه، فقال في «كتاب الاستئذان»: «حدَّثنا أبو نُعَيم: حدَّثنا عمر بن ذرٍّ. ح: وحدَّثنا مُحَمَّد بن مُقاتل: أخبرنا عبد الله: أخبرنا عمر بن ذرٍّ: أخبرنا مجاهد عن أبي هريرة ☺ قال: دخلتُ مع رسول الله صلعم، فوجد لبنًا في قَدَح، فقال: «أبا هرٍّ؛ الحَقْ أهلَ الصُّفَّة فادعهم»... إلى أن قال: «فأتيتُهم فدعوتُهم، فأقبلوا فاستأذنوا، فأَذِنَ لهم، فدخلوا»، انتهى [خ¦6246]، فهذا بعضُ حديث أبي نُعَيم الذي ذكره في «الرقاق»، وأمَّا بقيَّة الحديث؛ فيَحتمل أنَّ البُخاريَّ أخذه من كتاب أبي نُعَيم وجادةً أو إجازةً، أو سمعه من شيخٍ آخَرَ غيرِ أبي نُعَيم، إمَّا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتل الذي روى عنه في «الاستئذان» بعضَه، أو غيرُه، ولم يبيِّن ذلك، بلِ اقتصر على بعض الحديث من غير بيان، ولكن ما من قطعةٍ منه إلَّا وهي محتملةٌ لأنَّها غير متَّصلة بالسماع، إلَّا القطعة التي صَرَّحَ بها البُخاريُّ في «الاستئذان» باتِّصالها، والله أعلم)، انتهى، وهذا لَمكانٌ من عُقَد «صحيح البُخاريِّ»، والله أعلم.
          قوله: (آللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ): هو في أصلنا: (اللهِ) مجرورٌ، وجرُّه معروفٌ، قال القاضي عياض في أواخر «شرح مسلم»: («قلت(1): آلله؟ قال: الله»: رويناه بكسر الهاء وفتحها معًا، قال: وأكثر أهل العربيَّة لا يُجِيزون غيرَ كسره)، انتهى، وقال شيخُنا: (يجوز في «الله» الخفضُ والنصبُ، قال ابن التين: ورويناه بالنصب، قال ابن جنِّي: إذا حذفتَ حرفَ القسم؛ نصبتَ الاسمَ بعدَه بالفعل المقدَّر، ومن العرب مَن يجرُّ اسم «الله»)، انتهى مُلَخَّصًا، وهو مَعْرُوفٌ.
          قوله: (مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيسْتَتْبِعَنِي(2)): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (ليُشْبِعَني)، وعليها (صح) في الموضعين، قال ابن قُرقُول: («ليشبعني»: كذا لابن السكن، والنَّسَفيِّ، والحمُّوي، والبلخيِّ، ولبقيَّتهم: «يستتبعني»؛ أي: يأمرني باتِّباعه فيطعمني، وهو المعروف)، انتهى.
          قوله: (إِلَّا لِيسْتَتْبِعَنِي): تَقَدَّمَ الكلام عليها أعلاه.
          قوله: (أَبَا هِرٍّ): قا ل بعضهم: يُروَى بتخفيف الراء وتشديدها، انتهى، كذا قال، وقد تَقَدَّمَ الكلام فيه في (باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفًا) ما ذُكِرَ فيه، والله أعلم.
          قوله: (قُلْتُ: لَبَّيْكَ): تَقَدَّمَ الكلام عليها في (الحجِّ).
          قوله: (الحَقْ): هو بهمزة وصلٍ _فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتَها_ وبفتح الحاء، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (أَهْلِ الصُّفَّةِ)، وما هي (الصُّفَّة)، وأنَّ صاحب «الحِلْية» عدَّ منهم مئة ونيِّفًا، وقدَّمت أنَّ الإمام السَّهْرَوَرْدِيَّ قال في «عوارفه»: (إنَّهم كانوا نحوَ أربع مئة)، والله أعلم [خ¦8/58-725]. /
          قوله: (وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا): قال الدِّمْيَاطيُّ: (قال ابن القوطيَّة: «شَرِكْتُك في الأمر شِرْكًا وشِرْكةً: صرتُ لك شَرِيكًا، وفي المال كذلك، وأَشْرَكَ الكافرُ بالله: جعل له شَرِيكًا، والنَّعْلَ: جعلتَ لها شِراكًا»)، انتهى، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (شرك) و(أشرك) [خ¦41/5-3630].
          قوله: (فَأَعْطِهِمْ): هو بفتح الهمزة، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.
          قوله: (وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ): هو بفتح الراء، وكسر الواو، وفتح الياء.


[1] في (أ): (قال)، والمثبت موافق لما في «صحيح مسلم».
[2] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (لِيُشْبِعَنِي)، وكذا في الموضع اللاحق.