التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إنما هذا من إخوان الكهان

          5758- قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ (عفيرًا) بِضَمِّ العين المُهْمَلة، وفتح الفاء، وهذا ظاهِرٌ عند أهله، و(اللَّيْثُ): هو ابن سعد الإمام، و(ابْنُ شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم الزُّهريُّ، تَقَدَّمَ مِرارًا، و(أَبُو سَلَمَةَ): عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة، على قول الأكثر.
          قوله: (فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا...) إلى آخره: المضروبة ذات الجنين: مُلَيكة بنت عويمر، والضاربة: أمُّ غُطَيف(1) بنت مسروح، كذا في «غوامض عبد الغنيِّ»، وفي «النَّسَائيِّ» تسمية المرأتين عن ابن عَبَّاس، وقيل في الثانية _وهي الضَّاربة_: أمُّ عَفيف(2)، قال أبو الفرج ابن الجوزيِّ في «تلقيحه»: (واسم إحدى المرأتين: مُلَيكة، والأخرى: غُطَيف(3)، وقيل: أمُّ غطيف، ورُوِي: أنَّ إحدى المرأتين أمُّ عَفيف، والأخرى: أمُّ مُكلِّف، وذكر أنَّ الضاربة(4) هي أمُّ عفيف بنت مسروح، / والمضروبة كانت مليكة بنت ساعدة الهذليِّ)، انتهى، وقال ابن بشكوال: (الضَّاربة: أمُّ عَفِيف بنت مسروح، وذات الجنين مُلَيكة بنت عويمر) ذكره عبد الغنيِّ، وفي حديثه: (فقال العلاء بن مسروح)، وقيل: إنَّ المُتكلِّم بذلك حَمَلُ بن مالك بن النَّابغة، وعن ابن طاهر مثلُه، إلَّا أنَّه قال: (أمُّ عَفيفة)، ولم يحك كون المتكلِّم حَمَلُ بن مالك، والله أعلم.
          قوله: (مِنْ هُذَيْلٍ): كذا هنا، وفي بعض طرقه: (من بني لحيان)، و(لِحيان)؛ بكسر اللَّام على المشهور: بطنٌ مِن هذيل، والله أعلم(5).
          قوله: (بِحَجَرٍ): كذا هنا، وفي بعض طرقه في هذا «الصَّحيح»: (رمت إحداهما الأخرى) [خ¦6904]، ولم يتعرَّض للمَرميِّ به، وفي رواية: (بعمود فُسطاط)، وقد تَقَدَّمَ ما الفُسطاط، ولغاته [خ¦969]، ولعلَّها فعلت بها الشَّيئين؛ رمتها بحجر، وضربتها بعمود فُسطاط؛ جمعًا بين الروايتين، والله أعلم.
          قوله: (غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ): (غرَّةٌ): منوَّن مَرْفوعٌ، و(عبدٌ أو أمةٌ): مثله بدل من (غرَّة)؛ كذا ضبطه غير واحد، ولكن المُحدِّثون يروونه على الإضافة، قال ابن قُرقُول: (والأوَّل هو الصواب؛ لأنَّه بيَّن الغرَّة ما هي)، انتهى، وممَّا يُؤيِّد ما قاله، ويوضِّحه رواية في هذا «الصَّحيح» في (كتاب الدِّيات) في (باب دية جنين المرأة) عن المغيرة بن شعبة: (قضى رسولُ الله صلعم بالغرَّة عبدٍ أو أمةٍ) [خ¦6904]، فقد فسَّر (الغرَّة) في الحديث: بعبدٍ أو أمةٍ، قال العلماء: و(أو) في الحديث؛ للتَّقسيم، لا للشَّكِّ، ونقل شيخنا احتمالًا عن ابن التِّين: أنَّها للشَّكِّ، ثُمَّ نقل عنه ما معناه أنَّها ليست للشَّكِّ، قال: (وهذا المعوَّل عليه)، انتهى، و(الغُرَّة): العبدُ نفسُه أو الأمة، وأصل الغرَّة: البياض الذي يكون في وجه الفرس، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: (الغرَّة: عبد أبيض، أو أمة بيضاء، وسُمِّي غرَّة؛ لبياضه، ولا يُقبَل في الدِّية عبدٌ أسودُ، ولا جاريةٌ سوداءُ، وليس ذلك شرطًا عند الفقهاء، وإنَّما (الغرَّة) عندهم: ما بلغ ثمنه نصف عُشْر الدِّية مِن العبيد والإماء، وإنَّما تجب الغرَّة في الجنين؛ إذا سقط ميتًا، فإن سقط حيًّا ثُمَّ مات؛ ففيه الدِّية كاملةٌ، وقد جاء في بعض الرِّوايات: (غرَّة عبد أو أمة، أو فرس، أو بغل)، وقيل: إنَّ الفرس والبغل غلط مِن الراوي، وقد أخذ بها بعضُ السَّلف.
          تنبيهٌ: قال كافَّة العلماء بالغرَّة، قال شيخنا: (وخالف فيه قوم فقالوا: لا شيء فيه؛ حكاه في «المعونة»، وهو منابذ للنَّص، فلا يُلتفَتُ إليه)، انتهى، قال شيخنا في (الفرائض): (ومِن غريب ما وقع في هذا الحديث بعد قوله: «أو أمة»: «أو بغل، أو حمار»، أخرجها أبو داود [خ¦4579]، وهي معلولة، وفي رواية لابن أبي شيبة مِن حديث عطاء مُرْسَلًا: «أو بغل» فقط، وأخرى: «أو فرس» من حديث هشام عن أبيه، وقال به مجاهد وطاووس، وفي «الدَّارقطنيِّ» من حديث معمر عن ابن طاووس، عن أبيه أنَّ عمر قال: «أو فرس»، وفي «الإسماعيليِّ» قال عروة: «الفرس غرَّة»، وقال ابن سيرين: «يجزئ مئة شاة»، وفي بعض طرق «أبي داود»: «خمس مئة شاة»، وهو وَهَمٌ صوابه: «مئة شاة»، كما نبَّه عليه أبو داود، وفي «مسند الحارث بن أبي أسامة» مِن حديث حَمَل بن مالك: «أو عشرين من الإبل، أو مئة شاة»، قال البَيْهَقيُّ: ورواه أبو الفتح أيضًا عن أبيه، عن رسول الله صلعم إلَّا أنَّه قال: «أو عشرون ومئة شاة»، وإسناده ضعيف).
          قوله: (فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غُـَرِمَتْ(6)): (وليُّها): هو حَمَلُ بن مالك بن النَّابغة، كذا جاء مُصرَّحًا به في بعض طرق «الصَّحيح»، و(حَمَل)؛ بفتح الحاء المُهْمَلة، والميم، وقيل فيه: حملة، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (وليُّ المرأة هو العلاء بن مسروح، وفي بعض الرِّوايات: «فقال حَمل بن مالك بن النابغة الهذليُّ، وهو زوج المرأتين»، وفي «مختصر الاستيعاب»...)، فذكر مستنده من كونه العلاء بن مسروح من «مختصر الاستيعاب»، وعزاه لعبد الغنيِّ بن سعيد، قال: (ووقع في «البَيْهَقيِّ»: «فقال أبوها»، وحينئذٍ؛ فيكون القائل مسروح)، انتهى، قال شيخنا: (وروى أبو موسى المدينيُّ في «الصَّحابة»: أنَّ حَمَل بن مالك هذا تُوُفِّيَ في زمن رسول الله صلعم، وُجِد مقتولًا، قتلته امرأة اسمها أُثَيلة، وأنَّه ◙ أهدر دمه)، انتهى، و(حَمَل) هذا: تَقَدَّمَ أنَّه هذليٌّ، له صحبة، روى عنه ابن عَبَّاس، روى له أبو داود، والنَّسَائيُّ، وابن ماجه، ولم أر مِن وفاته إلَّا ما ذكرته مِن كلام شيخنا الذي نقله عن أبي موسى، والحديث الذي لـ(حَمَل) في «أبي داود» و«النَّسَائيِّ» و«ابن ماجه» يشهدُ بأنَّه تخلَّف بعد النَّبيِّ صلعم إلى زمن عمر ☺، و(غُرِّمَتْ)؛ بِضَمِّ الغين المُعْجَمة، وكسر الراء المُشَدَّدة، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُه، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (غَرِمَتْ)؛ بفتح الغين، وكسر الرَّاء المُخفَّفة، مَبْنيٌّ للفاعل.
          قوله: (وَلَا اسْتَهَلَّ(7)): أي: صاح، وهذا معروفٌ.
          قوله: (بَطَلَ): هو في أصلنا بالموحَّدة المفتوحة، وفي نسخة: (يُطَلُّ)، قال ابن قُرقُول: («بطَلْ» أو «يُطَلّ»، بالوجهين رويناه في «المُوطَّأ» ليحيى عنه، قال ابن بُكَيْر: بالوجهين رويناه عن مالك، ورجَّح الخَطَّابيُّ رواية الياء من «طُلَّ دمَه»، أو «طُلَّ دمُه»، و«أُطِلَّ دمه»؛ كلُّ ذلك إذا لم يُطلَب به، وأكثر الروايات: «بطل»؛ بباء واحدة، وكذلك في «البُخاريِّ» في «باب الطِّيَرة والكهانة» [خ¦5758]، يقال منه: بطل الشيء بُطلًا وبُطلانًا؛ ذهب، وكذلك إذا لم يُؤخَذ به القاتلُ، وكذلك في «كتاب مسلم»، إلَّا عند أبي جعفر، فإنَّ الرواية عنه في حديث أبي الطاهر وحرملة: بالياء مثنَّاة)، انتهى، ونقل شيخنا عن ابن دريد قال: (أهل الحديث يقولونه بالباء، وهو تصحيف؛ إنَّما هو بالياء).
          قوله: (إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ): في بعض طرق «الصَّحيح»: (مِن أجل سجعه الذي سَجَع)، وفي رواية أخرى: (أسجع كسجع الأعراب؟)، قال العلماء: إنَّما ذَمَّ سَجْعَهُ؛ لوجهين؛ أحدهما: أنَّه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله، والثاني: تكلُّفه في مخاطبته، وهذان الوجهان في السجع مذمومان، وأمَّا السجع الذي كان ◙ يقوله وهو في الحديث؛ فليس من هذا؛ لأنَّه لا يعارض به حكم الشرع ولا يتكلَّفه، فلا نهي فيه، بل هو حسن، ويؤيِّد ذلك قولُه: (كسجع الأعراب)، فأشار إلى بعض السَّجع، وهو المذموم.


[1] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (عفيف).
[2] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (أم غطِيف).
[3] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (عطيف)، وكذا الموضع اللاحق.
[4] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (أنصارية).
[5] هذه الفقرة جاءت في (أ) بعد الفقرة اللَّاحقة.
[6] كذا في (أ) معًا، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليه: (غَرِمَت)، وفي (ق): (غُرِّمَتْ)، وهي رواية أبي ذرٍّ.
[7] كذا في (أ) و«اليونينيَّة»، وفي (ق) به وبالسكون كذا الكلمات اللاحقة.