التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما يذكر في الطاعون

          قوله: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ): غريبةٌ: نقل شيخُنا عن «كتاب أبي الفرج الأصبهانيِّ» قال: (كانت العرب تقول: إذا دخل بلدًا وفيها وبأٌ؛ فإنَّه ينهق كنهيق الحمار قبل دخولها، فإنَّه إذا فعل ذلك؛ أمن من الوبأ)، انتهى، وفي «صحاح الجوهريِّ» في (عشر): (وتعشير الحمار: نهيقه عشرة أصوات في طلق واحدٍ) ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال: (وذلك أنَّهم كانوا إذا خافوا وبأَ بلدٍ؛ عشَّروا كتعشير الحمار قبل أن يدخلوه، وكانوا يزعمون أنَّه ينفعهم)، انتهى، وقد قَدَّمْتُ ذلك في (بني إسرائيل) في (المناقب) [خ¦3473].
          تنبيهٌ: أبو الفرج الأصبهانيُّ: اسمه عليُّ بن الحُسين الأَمويُّ، صاحب كتاب «الأغاني»، شيعيٌّ، وهذا نادر في أُمويٍّ، كان إليه المنتهى في الأخبارِ، ومعرفةِ الناس، والشِّعرِ، والغِناءِ، والمحاضراتِ، قال الذَّهَبيُّ في «ميزانه»: (حتَّى لقد اتُّهم، والظاهر أنَّه صدوقٌ، وقد قال أبو الفتح ابن أبي الفوارس: خلَّط قبل موته، ومات سنة ░356هـ▒، ومولده سنة أربعٍ وثمانين ومئتين)، ثُمَّ ذكر بقيَّةً من الكلام فيه وتوثيقه، والله أعلم.
          تنبيهٌ: في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» حديثان؛ أحدهما: عن أبي موسى الأشعريِّ: قال رسول الله صلعم: «اللهمَّ؛ اجعل فناء أمَّتي في الطعن والطاعون»، قالوا: يا رسول الله؛ قد عرفنا الطعن، فما الطاعون؟ قال: «وَخْزُ أعدائكم من الجنِّ، وفيه شهادةٌ»، الحديث الثاني: عن عائشة ♦: أنَّه ذُكِرَ الطاعونُ، فذَكَرَتْ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «وَخْزَةٌ تصيب أمَّتي مِنْ أعدائهم مِنَ الجنِّ، غُدَّة كغُدَّة الإبل، مَن أقام عليها؛ كان مرابطًا، ومَن أُصِيب به؛ كان شهيدًا، ومَن فرَّ منه؛ كالفارِّ مِن الزحف»، في سند الحديث الأوَّل جبارةُ؛ وهو ابن المغلس، وفي سند الثاني شخصٌ مجهولٌ، وبقيَّة السندين لم أعتبرها، والله أعلم، والوخز: الطعن الذي ليس بنافذ، ورأيت في «نهاية ابن الأثير» عزوَ هذا الحديث لـ«الغريبَين» للهرويِّ، وأنَّه: «وخز إخوانكم من الجنِّ»، فإن صحَّ ذلك كتابةً ومجيئًا؛ فلعلَّ الجنَّ الكفَّار يطعنون المؤمنين، والجنَّ المؤمنين يطعنون الكفَّار، والله أعلم.
          قوله: (بَابُ مَا يُذْكَرُ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُه.
          قوله: (فِي الطَّاعُونِ): هو مرضٌ عامٌّ معروفٌ، وهو بثر ووَرمٌ مؤلمٌ جدًّا، يخرج مع لهبٍ، ويَسْوَدُّ ما حواليه أو يخضرُّ أو يحمرُّ حُمْرَةً بنفسجيَّةَ كدرةً، ويحصل معه خفقانُ القلبِ والقيءُ، ويخرج في المرافق والآباط غالبًا، أو الأيدي والأصابع، وفي سائر الجسد، وفي كلام الإمام الرافعيِّ الشَّافِعيِّ في (الوصيَّة) ما مقتضاه: أنَّ الوبأ ليس من الطاعون، وليس كذلك، فقد قال الجوهريُّ: الطاعون: هو الموت من الوبأ، وقال في (الوبأ): إنَّه مرضٌ عامٌّ، وفي «نهاية ابن الأثير»: (الطاعون: المرض العامُّ، والوبأ: الذي يفسد له الهواءُ، فتفسد منه الأمزجة)، فجعل الوبأ قِسمًا من الطَّاعون، وفي «الروضة» ما مقتضاه: أنَّ الوبأ: هو الموت، وأنَّ الطَّاعونَ سببٌ له، والله أعلم، وقد قَدَّمْتُ غير بعيد أنَّ التَّحقيق أنَّ بين الوبأ والطاعون عمومًا وخصوصًا، فكلُّ طاعون وبأٌ، وليس كلُّ وبأ طاعونًا، وكذلك الأمراض العامَّة أعمُّ من الطاعون، فإنَّه واحد منها، انتهى ما قدَّمته [خ¦75/22-8452].