التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه

          5729- قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّمَ أنَّه الزُّهريُّ مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
          قوله: (خَرَجَ إلى الشَّامِ): هو إقليم معروف، تَقَدَّمَ الكلام [عليه] وعلى طوله وعرضه [خ¦7]، وهذه الخرجة كانت سنة سبعَ عشرةَ، وأمَّا طاعون عَمَـْواس _وهي قرية بين الرَّملة وبيت المقدس_ فقد كان سنة ثماني عشرةَ، كذلك عن أحمد، وروى أبو زرعة عن أحمد: أنَّه كان سنة سبعَ عشرةَ وثماني عشرةَ، وفي هذه السَّنة رجع عمر ☺ مِن سرغ، وقد كان خرج قبل ذلك سنة ستَّ عشرةَ في حصار أبي عبيدة بيتَ المقدس، فقال / أهله: يكون الصلح على يد عمر، فخرج لذلك، وأمَّا الجابية؛ فهي سنة ثماني عشرةَ بعد رجوعه من سرغ، والله أعلم.
          قوله: (حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ): (سَرْغ)؛ بفتح السِّين المُهْمَلة، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ غين معجمة، يُصرَف ولا يُصرَف، قال ابن قُرقُول: («سَرْغ»: ساكن الراء، وعند ابن الوضَّاح(1): بتحريكها، وقال ابن وضَّاح: من المدينة على ثلاثةَ عشرَ مرحلة، وقال ابن مكِّيٍّ: الصواب: سكون الراء، قال الجوهريُّ عن مالك: قرية بوادي تبوك من طريق الشام، وهي آخر عمل الحجاز الأوَّل)، انتهى، والجوهريُّ المذكور هنا ليس صاحب «الصِّحاح»؛ فاعلمه، وفي «النهاية»: (بفتح الرَّاء وسكونها؛ قرية بوادي تبوك من طريق الشام، وقيل: على ثلاثَ عشرةَ مرحلة من المدينة).
          قوله: (لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ): هم: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجرَّاح وأصحابه، وبقيَّتهم: يزيد بن أبي سفيان، وخالد بن الوليد، وشرحبيل ابن حسنة، وعمرو بن العاصي، و(الأَجْناد)؛ بفتح الهمزة، ثُمَّ جيم ساكنة، ثُمَّ نون، في آخره دالٌ مهملةٌ؛ يعني: أَجْناد الشام، وكان عمر ☺ قسمها أوَّلًا على أربعةِ أمراءَ مع كلِّ أمير جند، ثُمَّ جمعها آخرًا لمعاوية، قال الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ: (والمراد بـ«الأَجْناد» هنا: مدن الشام الخمس؛ وهي: فِلَسْطِين، والأُرْدُنُّ، ودمشق، وحمص، وقنسرين، هكذا فسَّروه واتَّفقوا عليه، ومعلوم أنَّ فلسطين: اسم لناحية بيت المقدس، والأردنَّ: اسم لناحية بيسان وطبريَّة وما يتعلَّق بهما، ولا يضرُّ إطلاق اسم المدينة عليه)، انتهى، قال الإمام الحافظ كمال الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن هبة الله بن العديم في «تاريخ حلب» فيما نقلته مِن خطِّه من المبيَّضة: (واختلفوا في تسمية الأجناد؛ فقال بعضهم: سمَّى المسلمون فلسطين جندًا؛ لأنَّه يَجمَع كُورًا، وكذلك دمشق، وكذلك الأردنُّ، وكذلك حمص، وقِنَّسْرين، قال: وقال بعضهم: سُمِّيت كلُّ ناحية بها جندًا؛ لأنَّ بها جندًا يقتضون أطماعَهم بها...) إلى أن قال: (وذكر أبو عبيد الله مُحَمَّد بن أحمد الجَيْهانيُّ فيما نقلته من كتابه قال: كان أيام عمر ترد عليه وفود اليمن...) إلى أن قال: (فجنَّد عمر الشام أربعة أجناد مُفرَّقة في أيدي عمَّاله؛ وهم: أبو عبيدة ابن الجرَّاح، وخالد بن الوليد، ويزيد ابن أبي سفيان، وعمرو بن العاصي، فبقيت الشَّام على ذلك التَّجنيد حتَّى زاد فيها يزيد بن معاوية قنسرين، وكانت من أرض الجزيرة، فصارت أجناد الشَّام خمسة)، انتهى، وقد وَهم الصَّاحبُ الجَيهانيَّ في مكانين؛ أحدهما: جَعلُه قنسرينَ من أرض الجزيرة، والثاني: قوله: إنَّ يزيد زاد فيها _يعني: في الشام قنسرين_ بل أفرد قنسرين من حمص، والله أعلم، ورأيت في «أربعين الآجريِّ» في الحديث المُوفِي عشرين: (قال أبو صالح لأبي عبد الله الأشعريِّ: مَن حدَّثك هذا الحديث؟ فقال: أمراء الأجناد؛ خالد بن الوليد، وعَمرو بن العاصي، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل ابن حسنة)، انتهى [خ¦20]، وذكروا في ترجمة عياض بن غنم: أنَّه أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك؛ وهم: أبو عُبيدة، وخالد، وشرحبيل، ويزيد بن أبي سفيان، انتهى، وأمراء الأجناد يوم اليرموك هم هؤلاء وعياض بن غنم، والله أعلم، واليرموك سنة خمسَ عشرةَ، وهو مكان بالشام [خ¦3720].
          قوله: (فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَأَ(2)): تَقَدَّمَ أنَّه بالقصر والهمزة، وبالمدِّ أيضًا، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (الوبأ) و(الطاعون) قريبًا وبعيدًا [خ¦1889] [خ¦5677 [خ¦76/30-8528].
          قوله: (الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ): تَقَدَّمَ أنَّ (المهاجرين الأوَّلين): هو من صلَّى القبلتين مع النَّبيِّ صلعم منهم، وأمَّا مَن أسلم بعد التحويل؛ فلا يُعدُّ منهم، قاله القاضي عياض، وذكرت قبل ذلك قولًا آخر [خ¦878].
          قوله: (أَنْ تُقْدِمَهُمْ): هو بِضَمِّ أوَّله، وكسر الدال، رُبَاعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (مِنْ مَشِيْخَةِ قُرَيْشٍ): (المَشِيخَة)؛ بفتح الميم، وكسر الشين، كذا هو مضبوط في أصلنا، قال ابن قُرقُول: («مَشِيخة»؛ بكسر الشين عند الكافَّة في «المُوطَّأ»، والمعروف في اللُّغة بسكونها)، انتهى، بل هما لغتان وستجيئان [خ¦5729]، فـ(شيخٌ) له جموع: شُـِيوخ _بِضَمِّ الشين وكسرها_ وأشياخ، وشِيَخة، وشِيْخة، وشِيْخان، ومشْيخة، ومشِيخة، ومشيوخاءُ، ومَشْيُخاء، ومشايخ، وتصغيره: شُيَيخ وشِييخ، وشُويخ قليلة، ولم يعرفها الجوهريُّ؛ وذلك لأنَّه قال: ولا تقل: شُوَيخ، وقد نقلها شيخنا مجد الدين في «القاموس»، والله أعلم.
          قوله: (مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ): قال القاضي عياض: (هم الذين أسلموا قُبَيل الفتح، فحصل لهم فضل بالهجرة قبل الفتح؛ إذ لا هجرة بعد الفتح، وقيل: هم مُسْلِمة الفَتْح الذين هاجروا بعده، فحصل لهم اسم فضيلة دون الفضيلة)، قال القاضي: (هذا أظهر؛ لأنَّهم الذين ينطلق عليهم: مشيخة قريش).
          قوله: (نَرَى): هو بفتح النُّون، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (وَلَا تُقْدِمَهُمْ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بِضَمِّ أوَّله، وكسر الدَّال، رُبَاعيٌّ.
          قوله: (عَلَى هَذَا الْوَبَأِ): تَقَدَّمَ أنَّه مهموز مقصور، وأنَّه يجوز مدُّه، وتَقَدَّمَ ما جَمْعُ كلِّ لغةٍ [خ¦75/22-8452].
          قوله: (فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ): هو بفتح الهمزة، وكسر الموحَّدة، رُبَاعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا): هذا مِثل: (لَوْ ذاتُ سوارٍ لَطَمَتني)، وجوابه محذوف، وفي تقديره وجهان؛ أحدهما: لو قالها غيرُك؛ لأدَّبته؛ لاعتراضه عليَّ في مسألة اجتهاديَّة، واتَّفق عليها الأكثر، والثاني: لو قالها غيرك؛ لم أتعجَّب منه، وإنَّما العجب مِن قولك مع فعلك، والله أعلم.
          قوله: (لَهُ عُـِدْوَتَانِ): (العِدوة)؛ بضمِّ العين وكسرها: جانب الوادي.
          قوله: (خَصِبَةٌ) و(جَدْبَةٌ): قال الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ: (و«الجَـِدْبة»؛ بفتح الجيم وكسرها، وإسكان الدال، وهي ضدُّ «الخصبة»، والخِصْبة والخَصْبة، قال صاحب «التحرير»: «الجدِْبة» هنا: بسكون الدَّال وكسرها، قال: والخصْـِبة كذلك).
          قوله: (فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ): هو بفتح أوَّله وثالثه، وهذا ظاهِرٌ جدًّا، وبضمِّ التاء، وكسر الدال، من الإقدام.
          تنبيهٌ: أمَّا الخروج لعارض مِن بلد الطاعون؛ فجائزٌ اتِّفاقًا، وأمَّا الخروج والقدوم مرارًا؛ فقد جوَّزه بعضهم، رُوِي هذا عن عمر بن الخطَّاب ☺، وأنَّه ندم على رجوعه من سرغ، وعن أبي موسى الأشعريِّ، ومسروق، والأسود بن هلال: أنَّهم فَرُّوا مِن الطاعون، وقال عمرو بن العاصي: (فِرُّوا عن هذا الرِّجس في الشِّعاب، والأودية، ورؤوس الجبال، فقال(3) معاذ: بل هو شهادة ورحمة)، وتأوَّل هؤلاء النَّهْي: على أنَّه لم ينه عن الدُّخول عليه والخروج منه؛ مخافة أن يصيبه غير المُقدَّر، لكن مخافة الفتنة على النَّاس؛ لئلَّا يظنُّوا أنَّ هلاك القادم إنَّما حصل بقدومه، وسلامة الفارِّ إنَّما كانت لفراره، قالوا: أو هذا مِن نحو النَّهْي عن الطيرة والهَرَب مِن المجذوم، وقد جاء عن ابن مسعود ☺: (الطَّاعون فتنة على الفارِّ والمقيم، أمَّا الفار؛ فيقول: فررت فنجوت، وأمَّا المقيم؛ فيقول: أقمت فمتُّ، وإنَّما فرَّ من لم يأت أجله، وأقام مَن حضرَ أجله)، قاله القاضي عياض، ولخَّصته.


[1] كذا في (أ) تبعًا لمصدره، وفي «المشارق» ░2/518▒: (ابن عتَّاب).
[2] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة»: (الوباء)؛ بالمدِّ.
[3] في (أ): (وقال) والمثبت من مصدره.