الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

سورة السجدة

          ░░░41▒▒▒ قال (سُوْرَةُ [حم] السَّجْدَةِ)
          قال تعالى: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت:11] أي (أَعْطِيَا) الطَّاعة، أي أَطيعا، و(المِنْهَالُ) بكسر الميم وإسكان النون ابنُ عَمْرٍو الأَسَدِيُّ الكوفيُّ، و(سَعِيْدٍ) أي ابنِ جُبَيْرٍ، و(تَخْتَلِفُ عَلَيَّ) أي يُشكِلُ ويَضطرِبُ عليَّ إذْ بينَ ظَواهرِها تنافٍ وتدافعٌ، أو تفيد شيئًا لا يصحُّ عَقلًا؛ الأوَّلُ: قال في آيةٍ : {لَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] وفي أُخرى: {يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:27]. والثَّاني: عُلِمَ مِن آيةٍ أنَّهم {لَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيْثًا} [النساء:42] مِن أُخرى أنَّهم يكتمون كونهم مشركين. والثَّالثُ: ذكرَ في آيةٍ خَلْقَ السَّماءِ قبل الأرض وفي أُخرى بالعكس. والرَّابعُ: أنَّ قولَ الله تعالى: {كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:106]، و{كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58] يدلُّ على أنَّه كان موصوفًا بهذه الصِّفات في الزَّمان الماضي ثم تغيَّر عن ذلك. فأجابَ ابنُ عبَّاسٍ عن الأوَّل بأنَّ التَّساؤلَ بعد النَّفخةِ الثَّانية وعدمَه قبلَها، وعن الثَّاني بأنَّ الكتمان قبلَ إنطاقِ الجوارح وعدمَه بعدَها، وعن الثَّالث بأنَّ خلقَ نفسِ الأرض قبلَ السَّماء ودَحْوَها بعدَه، وعن الرَّابع بأنَّه تعالى سمَّى نفسَه بكونِه غفورًا رحيمًا، وهذه التَّسمية مضت لأنَّ التَّعلُّق انقطعَ.
          وأمَّا ذلك أي ما قالَ مِن الغَفوريَّة والرَّحيميَّة فمعناه أنَّه لا يزال كذلك لا ينقطع، فإنَّ اللهَ تعالى إذا أرادَ المغفرةَ أو الرَّحمةَ أو غيرَهما مِن الأشياء في الحال أو الاستقبال فلا بدَّ مِن وقوع مُرادِه قطعًا، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ جوابين؛ أحدُهما أنَّ التَّسميةَ هي التي كانت ثمَّ مضت لا الغَفوريَّة، والثَّاني أنَّ معناه الدَّوام وأنَّه لا يزال كذلك فإنَّ ما شاء اللهُ كان، ووجهٌ ثالثٌ وهو أنَّ السُّؤالَ يُحمَلُ على مشكليَن، والجوابُ على دفعِهما بأنْ يُقال: إنَّه مُشعِرٌ بأنَّه في الزَّمان الماضي كانَ غفورًا ولم يكن في الأزل ما يغفِرُ ومَن يغْفِرُ له وبأنَّه ليس في الحال غفورًا، فأجابَ أوَّلًا بأنَّه في الماضي كان مسمًّى به، وعن الثَّاني بأنَّ معنى (كَانَ) الدَّوامُ، هذا محتملاتُ كلامِه، وأمَّا النُّحَاةُ فقالوا: كانَ هو لثبوت خبرِها ماضيًا دائمًا أو منقطعًا، وأمَّا مسألة الخَلقَين فأجاب بعضُهم عنها بأن (ثُمَّ) لتفاوت ما بين الخَلقَينِ لا للتَّراخي في الزَّمان، وقيل: إنَّ (ثُمَّ) لترتيب الخبر على الخبر؛ أوَّلًا بخلقِ الأرض ثمَّ أخبرَ بخلق السماء، وقيل (خَلَقَ) بمعنى قدَّر، وقيل: (اسْتَوَى) ليس بمعنى خَلقَ.
          قولُه: (لَا يَخْتَلِفْ) بالجزم، أي قال ابنُ عبَّاس للسَّائلِ: فلا يختلفْ عليكَ القرآن فإنَّه مِن عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيْهِ اخْتِلَافًا كَثِيْرًا} [النساء:82].
          قولُه: (يُوسُفُ بنُ عَدِيٍّ) بفتح المهملة الأولى وكسر الثَّانية أبو يعقوبَ الكُوفِيُّ، مات سنةَ ثنتين وثلاثين ومئتين، و(عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو) الرَّقِّيُّ بالرَّاء والقاف، مات سنةَ ثمانين ومئة. و(زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَة) مصغَّرُ الأَنَسَةِ بالنُّون والمهملة، سنةَ أربعٍ وعشرين ومئة. و(المِنْهَالِ) هو ابنُ عمرٍو المذكوُر آنفًا.
          فإِن قُلتَ: لِمَ علَّق البخاريُّ عنه أوَّلًا وأسند آخِرًا؟ قُلتُ: لعلَّه سمعَ أوَّلًا مُرسلًا وآخِرًا مُسندًا فنقلَه كما سمعَه، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الإسنادَ ليس بشرطِه.
          وقال / تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت:8] أي (مَحْسُوبٍ)، وقال: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:16] (مَشَائِيْم)، وقال: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت:39] أي (ارْتَفَعَتْ مِن أَكْمَامِهَا)، وقال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت:17]، يعني الهداية بمعنى الدِّلالة المُطلقة فيه، وفي أمثالِه نحو {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان:3]، وأمَّا التي بمعنى الدِّلالة الموصِلة إلى البُغيَة، وعبَّر عنها البخاريُّ بالإرشاد والإسعاد وهو في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ} [الأنعام:90] ونحوه، وغرضُه أنَّ الهدايةَ في بعض الآيات بمعنى الدِّلالة وفي بعضِها بمعنى الدِّلالة المُوصلة إلى المقصود، وهل هو مشتركٌ فيها أو حقيقةٌ ومجازٌ، فيه خلاف.
          وقال: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19] أي (يُكَفُّوْنَ) ويُمنَعون، وقال: {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَةٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت:47] جمع الكُمِّ، وهو وعاءُ الطَّلع، والكَافورُ و(الكُفَرَّى) بضمِّ الكاف وفتح الفاء وشدَّة الرَّاء وبالقصر الطَّلْعُ، وقال: {مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} [فصلت:48] أي مَحيدٍ يعني مَفرًّا، وقال: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت:40] يعني الأمر للتَّهديد والوَعيد، وقال: {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] أي (قَرِيْبٌ)، وقال: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت:10] أي (أَرْزَاقَهَا)، وقال : {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:12] أي (مَا أَمَرَ بِهِ)، وقال: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} [فصلت:25] أي (قَدَّرْنَا)، وقال : {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت:30] أي (عِنْدَ المَوْتِ)، وقال: {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50]، أي: بعملي وأنا مستحقٌّ له، وقال: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ} [فصلت:54] بكسر الميم وضمِّها أي امْتِرَاءً.