الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

سورة براءة

          ░░░9▒▒▒ (سُورَةُ بَرَاءَةَ)
          قوله: (الشُّقَّةُ) قال تعالى: {بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} [التوبة:42]، وقال: {مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:47]، وقال : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} [التوبة:49]، وقال : {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة:57]، و(المُؤْتَفِكَاتِ) قرياتُ قومِ لوطٍ، وقيل: وهودَ وصالحٍ أيضًا، وقال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53] أي ألقاها (ِفيْ هُوَّة) أي مكانٍ عميقٍ، قال في «الكشَّاف»: {أَهْوَى} أي رفعَها إلى السماء على جناحِ جبريلَ ثم أهواها إلى الأرض، أي أسقطَها. واعلم أن هذه الكلمة إنَّما هي في سورة {وَالنَّجْمِ} وذكرها هنا لمناسبة {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة:70].
          قولُه: (الْخَوَالِفُ) قال تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة:87] جمعُ الخالفِ، أي مع المُتَخَلِّفينَ، و(يَخْلُفُهُ فِي الغَابِرِيْنَ) أي يصير خَلَفًا للسَّلف، ويجوز أنْ يكون المرادُ منه النساءُ فيكون جمعُ الخالِفَة وهذا هو الظاهر لأنَّ فَواعل جمع الفاعل لم يوجد في كلامِهم إلا لفظان فَوارس وهَوالك.
          فإن قلتَ: ما معنى (عَلَى تَقْدِيْرِ جَمْعِهِ)؟ قلتُ: إمَّا أنْ يريدَ على تقدير جمعِه للذكور ليحترزَ به عمَّا كان جمعًا للإناث، وإمَّا أنْ يُرادَ الاحترازَ عن كونِه اسمًا للجمع.
          وقال تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:109] و(حَدُّهُ) أي طرفُه، و(الجُرُفُ) قال الجوهريُّ: ما تَجَرَّفَتْهُ السُّيولُ. فالتوفيق بينه وبين ما في الكتاب أنْ يُقالَ: (مِن) للابتداء أي ما يُجرَفُ مِن جِهَةِ السَّيل وبسببِه، و(هَائِرٌ) يعني هو مقلوبٌ معلولٌ إعلالَ قاضٍ، وقيل: لا حاجةَ إليه بل أصلُه هَوَرٌ وأَلِفُه ليست بألف فاعل إنَّما هي عينُه، وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ} [التوبة:114] و(تَأَوَّهَ) أي تكلَّم بكلمةٍ تدلُّ على التوجُّع، وقولُهم عند الشِّكاية: أوِه مِن كذا، إنما هو توجَّع وكذلك آهِ بالمد، ومعناه أنَّه لفَرطِ تَرحُّمِه وحِلمِه كان يتعطَّف على أبيه الكافر إلى أن تبيَّن له أنَّه عدوٌّ لله.