تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد

          ░48▒ (بَابُ: هَل تُنبَشُ قُبورُ مُشرِكِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَها مَسَاجِدُ؟) _بالرفع_ نائب الفاعل في (يُتَّخَذُ) والاستفهام للتقرير كقوله: {هَل أَتَى عَلَى الإِنسانِ} [الإِنسان:1]. و(مَكَانَهَا) _بالنصب_ هو المفعول الثاني، ويجوز رفعه على أنه نائب الفاعل، ونصب (مَسَاجِدَ) على أنه المفعول الثاني(1).
          (لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ) لأنهم (اتَّخَذُوا قُبورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ) سواء نُبشت لما فيه من الاستهانة، أو(2) لم تُنبش؛ لما فيها من المغالاة في التعظيم، وكلٌّ منهما مذموم، ويلتحق بالأنبياء أتباعهم، بخلاف الكفرة فلا حرج في نبش قبورهم لانتفاء العلتين، وبذلك علم(3) أنه لا تعارض بين نبشه صلعم قبور المشركين واتخاذه مسجده(4) مكانها، وبين لعنه صلعم مَنِ اتخذ قبور الأنبياء مساجد. واقتصر البخاريُّ هنا على اليهود، وقال في الجنائز وغيرها: ((لعن الله اليهود والنصارى)) [خ¦1330] لكن تعليله باتخاذهم مساجد لا يأتي في النصارى؛ لأنهم لا يزعمون نبُوَّة(5) عيسى ولا موته حتى يكون له قبر، بل يزعمون أنه ابن له تعالى، أو إله، أو غير ذلك على اختلاف مللهم الباطلة.
          (وَمَا يُكرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ في القُبورِ) سواءٌ كانت عليها، أم إليها، أم بينها، والجملة عطفٌ على (هَل تُنبَشُ(6)؟) قال الكرماني عقب هذا: فالترجمة مشتملة على مسألتين: اتخاذ المساجد في مكان القبور، واتخاذها بين القبور، ففي الأولى: لا تبقى(7) لصورة القبر أثر بخلافه في الثانية.
          (وَرَأَى عُمَرُ) أي: <ابن الخطاب ☺> كما في نسخة. (القَبرَ القَبرَ) _بنصبهما_ على التحذير محذوف العامل وجوبًا؛ أي: اجتنب القبر، وفي نسخةٍ: قرنَ ذلك بهمزة الاستفهام للإنكار؛ أي: أتصلِّي القبر؟ أي: عنده. (وَلَم يَأمُرهُ) أي: ولم يأمر عُمَرُ أَنَسًا (بِالِإعَادَةِ) فصلاته صحيحة، لكن مع الكراهة لكونه صلَّى محاذيًا لنجاسة وإن كان بينهما حائل.


[1] من قوله ((ومكانها بالنصب...)) إلى هنا ليس في (ط) و(ص).
[2] في المطبوع و(ص) و(د): ((أم)).
[3] قوله: ((علم)) ليس في (ع).
[4] في (د): ((مسجد)).
[5] في الأصل: ((بنوة))، والمثبت من (ط) والمطبوع.
[6] في (د): ((وتنبش)).
[7] في المطبوع: ((يبقى)).