تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين

          ░34▒ (بابُ: مَن لَم يَرَ الوُضوءَ) أي: واجبًا من مخرج من مخارج البدن، كمخرج الفصد والحجامة. (إِلَّا مِنَ المخرَجَينِ: القُبُلِ وَالدُّبُرِ) بجرِّهما بدلٌ أو عطفُ بيان، والقصرُ في ذلك قصرُ إفراد أي: الوضوء واجب من الخارج من القبل أو الدُّبر دونَ الخارج من غيرهما من البدن، لا قصرٌ مطلق؛ إذ للوضوء موجبات أُخَر، كالمسِّ واللَّمس. (لِقَولِهِ) في نسخة: <وقول الله> (تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة:6]) هو في الأصل: المكان المطمئنُّ من الأرض تُقضى فيه الحاجة، سُمِّي باسمِه الخارجُ للمجاورة(1)، ووجهُ دلالة الآية على القصر الإفرادي: التقييدُ فيها بالغائط(2).
          (وَقالَ عَطاءٌ) أي: ابن أبي رباح. (فِيمَن يَخرُجُ مِن دُبُرِهِ الدُّودُ، أَو مِن ذَكَرِهِ نَحوُ القَملَةِ) أي: من الأشياء النادرة. (يُعيدُ الوُضوءَ) هذا التعليق وصلَه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وما قالَه هو مذهب الشافعيِّ وكثيرٌ(3)، وقال الإمام مالك: لا وضوء فيه. (4)
          (وَقالَ جابِرٌ) إلى آخرِه، وصلَه الدار قطني، وما ذكرَه هو(5) مذهب الشافعيِّ وكثيرٍ أيضًا، وقال أبو حنيفة: يعيد الوضوء أيضًا. (وَقالَ الحَسَنُ) أي: البصريُّ. (إِن أَخَذَ مِن شَعرِهِ) إلى آخرِه، وصل الأوَّلَين منه ابن المنذر بإسناد صحيح، والثالث منه ابنُ أبي شيبة كذلك، وما ذكرَه في الثلاثة هو مذهب الشافعيِّ وغيرِه على خلافٍ فيه. (أَو خَلَعَ خُفَّيهِ) أي(6): أو أحدهما(7).
          (وَقالَ أَبو هُرَيرَةَ: لَا وُضوءَ إِلَّا مِن حَدَثٍ) وهو الناقض للطهارة، وهذا متفق عليه، والمراد: لا وضوء واجب، وإلَّا فالوضوء يُشرع من غير حدث. (وَيُذكَرُ عَن جَابِرٍ) إلى آخرِه، تعليق بصيغة التمريض، لكنَّه بعض حديث وصلَه ابن خزيمة في «صحيحِه» وأبو داود وغيرُه(8). (فَرُمِيَ رَجُلٌ) هو عبَّاد بن بشر. (فَنَزَفَهُ الدَّمُ) _بفتح الزاي_ أي: خرج منه كثيرًا. (وَمَضَى في صَلَاتِهِ) أي: فلم يقطعها لاشتغالِه بحلاوتها عن مرارة ألم الجرح، وفيه ردٌّ على الحنفية القائلين بنقض الوضوءِ إذا سال الدمُ، لكن يُشكل عليه الصَّلاةُ مع وجود الدم في بدنِه أو ثوبِه المستلزمُ لبطلان الصَّلاة للنجاسة. وأُجيب: باحتمال عدم إصابة الدَّم لهما، أو إصابة الثوب فقط ونزعِه عنه في الحال، ولم يَسِلْ على بدنِه إلَّا مقدار ما يُعفى عنه(9).
          (مَا زالَ المسلِمُونَ يُصَلُّونَ في جِراحَاتِهِم) _بكسر الجيم_ أي: يصلون فيها وإن سال دمُها بقدر ما يُعفى عنه. (وَقالَ طاوسٌ) اسمُه: ذكوان بن كَيسان اليمانيُّ. (وَمُحمَّدُ بنُ عَلِيٍّ) أي: ابن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب الهاشميِّ التابعيِّ. (وَعَطاءٌ) أي: ابن أبي رباح. (وَأَهلُ الحِجازِ) أي: كسعيد بن المسيَّب، وسعيد بن جُبير، والفقهاء السبعة، ومالك، والشافعيُّ، وغيرهم. وهو من عطف العام على الخاص؛ لأنَّ الثلاثة قبلَه حجازيون أيضًا، وأثر كلٍّ من الثلاثة موصول. (لَيسَ في الدَّمِ وُضوءٌ) أي: وإن سال، خلافًا لأبي حنيفة في السائل. (بَثْرَةً) _بسكون المثلثة_ خَرَّاج صغير يخرج في البدن، وفِعلُهُ: بَثَرَ_بتثليث المثلثة_ (فَخَرَجَ مِنها الدَّمُ وَلَم يَتَوَضَّأ). في نسخة: <دَمٌ>، وفي أخرى: <الدَّم فلم>، وهذا الأثر وصلَه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح(10).
          (وَبَزَقَ) _بالزاي_ ويُقالُ: بالسين والصاد.
          (ابنُ أَبي أَوفَى) هو عبد الله الصحابُّي ابن الصحابيِّ. (دَمًا) أي: وهو يصلي. (فَمَضَى في صَلَاتِهِ) وصلَه ابن أبي شيبة بإسناد جيد، ولا حجَة فيه على الشافعيَّ؛ إذ ليس فيه أنَّه علم في الصَّلاة بالدمِ، ولا أنَّه لم يُعدها.
          (وَقالَ ابنُ عُمَرَ وَالحَسَنُ فِيمَن يَحتَجِمُ) في نسخة: <فيمن احتجَم>. (لَيسَ عَلَيهِ إِلَّا غَسلُ مَحاجِمِهِ) أي: لا الوضوء خلافًا للحنفية، وهذا الأثر وصلَه ابن أبي شيبة(11). وفي نسخة: <ليسَ عليه غَسل محاجمِه> بإسقاط إلَّا، والأُولى هي الشائعة، والمحاجم: جمع مَحجَمة_بفتح الميم_ موضع الحجامة هنا لا قارورتها(12).


[1] قوله: ((للمجاورة)) ليس في (المطبوع).
[2] في (د): ((باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر لقوله ╡: {أو جاء أحد منكم من الغائط} [المائدة:6])) وقد سقطت من المتن وكتبها الناسخ في الهامش.
[3] زاد في (المطبوع): ((أيضًا)).
[4] في (د): ((وقال عطاء: فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة يعيد الوضوء)) وقد سقطت من المتن وذكرها الناسخ في الهامش.
[5] قوله: ((هو)) ليس في (المطبوع).
[6] قوله: ((أي)) ليس في (المطبوع).
[7] في (د): ((وقال جابر بن عبد الله: إذا ضحك في الصَّلاة أعاد الصَّلاة ولم يعد الوضوء، وقال الحسن: إن أخذ من شعره أو أظفاره أو خلع خفيه فلا وضوء عليه)) وقد سقط من المتن وذكره الناسخ في الهامش.
[8] أخرجه أحمد في المسند14745، الحاكم في المستدرك557، البيهقي في السند681.
[9] في (د): ((وقال أبو هريرة: لا وضوء إلا من حدث، ويذكر عن جابر أن النبي صلعم كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته)) سقط من المتن وذكره الناسخ في الهامش.
[10] في (د): ((وقال الحسن: مازال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وقال طاووس ومحمَّد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليست في الدم وضوء وعصر ابن عمر بثرة يخرج منها دم فلم يتوضأ)) وقد سقط من المتن وذكره الناسخ في الهامش.
[11] أثر ابن عمر471، أثر الحسن:474-475-477.
[12] في (د): ((وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته وقال ابن عمر والحسن فيمن احتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه)) وقد سقط من المتن وذكره الناسخ في الهامش.