تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في الوضوء

          ░1▒ (بابُ: ما جاءَ في قَولِ اللهِ تَعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] إلى آخرِه(1)) في(2) نسخة: <بابُ الوُضوءِ>، وفي أخرى: <بابُ: ما جاء في الوضُوء>
          و(إِلى) في الآية على النسخة الأولى غاية للغسل أو لتركِه، أو بمعنى: مع، وقد بسطتُ الكلام عليها وعلى سائر ما يتعلَّق بالآية في «شرح البهجة».
          وافتتح الباب(3) بهذه الآية للتبرُّك، أو لأصالتها في استنباط مسائلِه وإن كان حقُّ الدليل أن يُؤخَّر عن المدلول.
          (قالَ أَبو عَبدِ اللهِ) أي: البخاريُّ. (مَرَّةٌ مَرَّةٌ) بالرفع خبر (أنَّ)، وبالنصبِ مفعول مطلق، أي: فرض الوضوء غسل كلِّ عضوٍ مرَّة، أو حال سادَّة(4) مسدَّ الخبر أي: يُفعل مرَّة، كقراءة: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف:8] بالنصب، وتكرار المرَّة لإرادة التفصيل في أعضاء الوضوء بأن يُغسل كلُّ عضوٍ مرَّة، وما تقرَّر في (مرَّة مرَّة)، يأتي في (مرَّتين مرَّتين)، وفي (ثلاثًا ثلاثًا) على ما في نسخة؛ إذ(5) في أكثر النسخ: (وثلاثًا) / بلا تكرار. (وَلمَ يَزِد على ثَلاثٍ) في نسخة: <على ثلاثة>، وفي أخرى: <على الثلاث> والزيادة عليها مذمومة، ففي خبر أبي داود وغيرِه(6) بإسنادٍ جيد: ((أنَّه صلعم توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: مَن زاد على هذا(7) أو نقص، فقد أساء وظلم)) أي: ظلم بالزيادة بإتلاف الماءِ لوضعِه في غير موضعِه، وبالنقص(8) _أي: عن المرَّة_ لتركِه الواجب بقرينة خبر: ((الوضوءِ مرَّة، ومرَّتين، وثلاثًا(9)، فمن نقص من واحدة، أو زاد على ثلاث فقد أخطأ)).
          (وَكَرِهَ أَهلُ العِلمِ الإِسرافَ فِيهِ) هو صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، بخلاف التبذير فإنَّه صرف الشيء فيما لا ينبغي. (وَأَن يُجاوِزوا) أي: وكرِه أهل العلم أن يجاوزوا (فِعلَ النَّبيِّ) فالمراد بـ(الإِسرَافَ): الزيادة في ماءِ مراتِ الثلاث، لا الزيادة عليها؛ لئلَّا يلزم التكرار، والكراهة في ذلك كراهة تنزيه عند الشافعي وكثيرٍ.


[1] زاد في هامش (د): ((قال أبو عبدالله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة:6] وبين النبي صلعم أن فرض الوضوء مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا)).
[2] في (المطبوع) و(د): ((وفي)).
[3] قوله: ((الباب)) ليس في (المطبوع).
[4] في (المطبوع): ((ساد)).
[5] في (ط): ((أنَّ)).
[6] أخرجه البيهقي في الكبرى378، وابن خزيمة في صحيحه174، وفي النسائي140، وأحمد6684، كله بلفظ: (أساء وتعدى وظلم).
[7] في (ع): ((هذه)).
[8] في (ط): ((أو بالنقص)).
[9] رواه نعيم بن حماد وهو مرسل؛ لأن المطلب تابعي صغير ورجاله ثقات، في عون المعبود1/204.