تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

          ░33▒ (بابُ: الماءِ(1) الَّذِي يُغسَلُ بِهِ شَعرُ الإِنسانِ) أي: باب بيان حكمِه، أهو طاهر أم لا؟
          (وَكانَ عَطاءُ(2) بنُ أَبي رَباحٍ لَا يَرى بِهِ) أي: بالانتفاع بشعور الناس / التي تُحلق بعد غسلها بمنى. (بَأسًا) وفي نسخة: <لا يَرى بأسًا> بإسقاط(3) به. (أَن يَتَّخِذَ) محلُّه جُرَّ على الأولى، بدل من ضمير به، ونصبُه(4) على الثانية بدل من بأسًا. (مِنها) أي: من الشعور، وفي نسخة: <مِنه> أي: من الشعر. (الخُيوطُ وَالحِبالُ) يفترقان بالرِّقة والغلظ، وأراد البخاريُّ بكلام عطاء: الردَّ على من نجس شعر الإنسان بانفصالِه؛ لاقتضائِه تنجُّس(5) الماء المنفصل معَه؛ إذ لو كان نجسًا لما اتخذ منه الخيوط والحبال(6).
          (وَسُؤرُ الكِلابِ وَمَمَرُّها في المسجِدِ) بالجرِّ فيهما؛ عطف على (المَاء) في الترجمة، والسؤر_بالهمز وبتركِه على قلِّة_ بقية ما في(7) الإناء بعد الشرب، وفي نسخة بعد لفظ (المسْجِد(8)) < وأكلِها> بإضافة المصدر إلى الفاعل أي وأكلها الشيء في المسجد والمراد بأكلها محله فيصير المعنى باب بيان حكم الماء إلى آخره، وحكم الثلاثة وحكمها عند الشافعي أنها نجسة لكن محله في السؤر إذا نقص عن قلتين، وفي الممر إذا لم يخل عن رطوبة وحينئذٍ لا فرق في تنجسهما بل في تنجس الثلاثة بين كونها في المسجد وغيره.
          (قَالَ الزُّهْرِيُّ) هو محمَّد بن مسلم بن شهاب كما مرَّ. (إِذَا وَلَغَ) أي الكلب كما في نسخة. (فِي إِنَاءٍ) أي فيه ماء وفي نسخة<في الإناء الذي فيه ماء> (لَيسَ لَهُ) أي لمريد الوضوء. (وَضُوء) بفتح الواو على المشهور (غَيرَُه) _بالرفع والنصب_ أي غير ما ولغ فيه، والجملة المنفية صفة لإناء على النسخة الأولى وحال(9) من الإناء على الثانية. (يَتوَضَأ) جواب (إذِا). (بِه) أي الوضوء وفي نسخة: <بها> أي: بالمطهرة. أي: بالماء الذي فيها، وفي أخرى: <منه>.
          (وَقَالَ سُفْيَانُ) أي الثوريُّ (هَذَا) أي الحكم بأنه يتوضأ مما ذكر. (الفِقْه بِعَينِه) أي هو مستفاد من القرآن كما أشار إليه بقول (يَقَولُ اللهُ) وفي نسخة: < لقول الله>. (تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]) لأن قوله ماءً نكرة في سياق النفي فتعمُّ وفي نسخة: <فإنْ لم تجِدُوا فتَيمَّمُوا> وهي خلاف التلاوة فهو سبق قلم ورواه سفيان بالمعنى ولعله كان يرى جواز ذلك. (وهَذَا) أي ما ذكر وفي نسخة: <فهذا> (مَاءً) أي فيتوضأ به وتنجسه بالولوغ ليس متفقًا عليه.
          (وَفي النَّفْسِ منْهُ شَيءٌ) من تتمة كلام سفيان وإنما قاله مع أنه في القرآن لعدم ظهور دلالة عليه عنده أو لوجود معارض من القرآن أو غيره فالاحتياط ما ذكره بقوله (يَتوَضَأُ بِه) وفي نسخة: <منه>. (ويَتيَمَّم) لأن الماء المشكوك فيه كالعدم والواو بمعنى ثم لأن التيمم بعد الوضوء قطعًا كذا قيل ولك أن تقول من قبل الشافعي الشك منتفٍ لأن ما ولغ فيه الكلب إن بلغ قُلَّتين فطاهر، أو لا فنجس، ولو سلم الشك فالقول بأن المشكوك فيه كالعدم يقتضي الاقتصار على التيمم وقد يجاب عنه بأن المشبه لا يلزم أن يكون مساويًا للمشبه به من كل وجه والقول بأن التيمم بعد الوضوء قطعًا فيه نظر إذ الفرض أن الماء كالعدم وبذلك علم أن في الجمع بين الوضوء والتيمم نظرًا حتى زعم بعضهم أن الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتمم.


[1] قوله: ((الماء)) ليس في (ط).
[2] زاد في (ع) و(ط) و(المطبوع): ((أي)).
[3] في (ط): ((بإسقاطه)).
[4] في (ط): ((ونصب)).
[5] في (د): ((لاقتضائه للخبر)).
[6] في (المطبوع): ((والأحبال)).
[7] زاد في (ع) و(ط) و(المطبوع): ((الإناء بعد الشرب... إلى قوله: (فقتل أي الصيد وخرج بقتله ما فيه حياة مستقرة فلا بدَّ من ذكاته).
[8] في (د): ((في المسجد)).
[9] كذا في (د)، وفي النسخ الأخرى: ((حل)).