التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لو أن لابن آدم مثل واد مالًا لأحب أن له إليه مثله

          6437- قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ): (مُحَمَّد) هذا: تَقَدَّمَ أنَّ الجَيَّانيَّ قال: (نسبه شيوخُنا: مُحَمَّد ابن سلَام، قال: وقد نسبه البُخاريُّ كذلك في مواضعَ من آخِرِ الكتاب [خ¦6213])، انتهى [خ¦911]، والمِزِّيُّ لم ينسبه، و(مَخْلَد): هو بفتح الميم، وإسكان الخاء، وهو ابن يزيد، و(ابْنُ جُرَيْجٍ): عبد الملك ابن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، و(عَطَاءٌ): هو ابن أبي رَباح.
          قوله: (لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ...) إلى آخره (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا أَدْرِي أَهُوَ مِنَ القُرْآنِ أَمْ لَا): هذا الذي لم يدرِ ابنُ عَبَّاس أقرآن هو أم لا سيأتي قريبًا عن أُبيٍّ _هو ابن كعب_: (كُنَّا نُرَى(1) هَذَا مِنَ القُرْآنِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}) [خ¦6439]؛ يعني: فعلمنا أنَّه ليس من القرآن، هذا ظاهِر كلامه.
          واعلم أنَّ هذا كان قرآنًا ونُسِخَت تلاوتُه، فإن قيل: في أيِّ سورةٍ كان هذا؟ وقد سُئِلت عنه، والجواب: أنَّه كان في (سورة {لَمْ يَكُنِ})، كذا جاء في «مسند الإمام أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل» من غير طريق، وسيأتي أيضًا أنَّه في «التِّرْمِذيِّ»، ويأتي أنَّها كانت في (يونس)، فأمَّا إثبات كونه قرآنًا؛ ففي «مسند أحمد» أحاديثُ تشهد لذلك؛ منها: عن زيد بن أرقم قال: (لقد كنَّا نقرأ على عهد رسول الله صلعم: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضَّة...»)، ومنها: عن عائشة ♦: (أنَّه ◙ كان إذا دخل البيت؛ تمثَّل: «لو كان لابن آدم واديان من مالٍ؛ لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ فمَه إلَّا الترابُ، وما جعلنا المال إلَّا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ويتوب الله على مَن تاب»)، ومنها: عن أبي واقد الليثيِّ: (كنَّا نأتي النَّبيَّ صلعم إذا أُنزِل عليه الوحيُ فيحدِّثنا، قال لنا ذات يوم: «إنَّ الله ╡ قال: إنَّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم وادٍ؛ لأحبَّ أن يكون إليه ثانٍ، ولو كان له واديان؛ لأحبَّ أن يكون إليهما ثالثٌ، ولا يملأُ جوفَ ابن آدم إلَّا الترابُ، ثُمَّ يتوب الله على مَن تاب»).
          وأمَّا تعيين السورة؛ فروى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» في (المناقب) في (فضل أُبيِّ بن كعب) من حديث زِرِّ بن حُبَيش عنه، ورواه مُطَوَّلًا أحمدُ من غير طريقٍ بسنده إلى أُبيِّ بن كعب باختلافٍ بعضَ الشيء، قال: (إنَّ رسولَ الله صلعم قال: «إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن»، فقرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، قال: فقرأ فيها: «ولو أنَّ ابنَ آدم سأل واديًا من مال فأُعطيَهُ؛ لسأل ثانيًا، ولو سأله ثانيًا فأُعطِيَه؛ سأله ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلَّا الترابُ، ويتوب الله على من تاب، وإنَّ ذات الدين عند الله الحنيفيَّة غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعلْ خيرًا؛ فلن يُكْفَرَهُ»)، وهو في «المستدرك» في أوَّل (التفسير) بسندٍ صحيحٍ، فإن قيل: سيأتي قريبًا في هذا الحديث عن أُبيِّ بن كعب: (كنَّا نرى هذا من القرآن حتَّى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}) [خ¦6439]، فبينَ هذا وما تَقَدَّمَ عنه من «المسند» و«المستدرك» تعارضٌ؛ والجواب: أنَّه يُحمَل قولُه: (كنَّا نرى هذا من القرآن)؛ أي: من القرآن الذي يثبت ولم يُنسَخ، والله أعلم.
          فائدة: قال الإمام السُّهَيليُّ في خبر بئر معونة: (وكانت هذه الآية _يعني قوله: «لو أنَّ لابن آدم»_ في «سورة يونس» بعد قوله: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[يونس:24]، كذلك قال ابن سلَّام)، انتهى؛ يعني: يحيى بن سلَّام المغربيَّ، وسأذكر بعض ترجمة يحيى هذا إن شاء الله تعالى. /


[1] كذا في (أ)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (نَرى)، وفي (ق) معًا.