التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن

          قوله: (بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ؛ هَلْ يَسْتَأْذِنُ؟): ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (أورد البُخاريُّ الحديثَين، [و]ظاهرُهما التعارض)، ففي حديث أبي هريرة المعلَّقِ عنه ◙: (هو إذنه)، وحديثُه المسنَدُ: (دخلتُ مع النَّبيِّ صلعم، فوجد لبنًا في قدح...) إلى أن قال: (فأقبلوا، فاستأذنوا)، قال ابن المُنَيِّر: (لينبِّه على الجمع، ووجهُهُ: أنَّ الحديث الأول فيمَن دُعِيَ بالباب مثلًا، فهذا لا يستأذن، والحديث الآخَرُ فيمَن دُعِيَ وهو غائبٌ، فجاء، فهذا(1) يستأذن، والعادةُ تشهد بذلك، والله تعالى أعلم)، انتهى.
          و(دُعِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(الرجلُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، ذكر في الباب حديثَين؛ الأوَّل معلَّقٌ، والثاني مسنَدٌ؛ وهو مجاهدٌ عن أبي هريرة، والمعلَّق يدلُّ على أنْ لا إذنَ، والمتَّصِلُ يدلُّ على الإذن، فقالت طائفةٌ: بأنَّ الحديثَين على حالين، فإن جاء المدعوُّ على الفور مِن غير تراخٍ؛ لم يحتج إلى الإذن، وإن تراخى مجيئُه عن الدعوة وطالَ الوقتُ؛ احتاج إلى الاستئذان، وقال آخرون: إن كان عند الداعي مَن قد أُذِن له قبل مجيء المدعوِّ؛ لم يحتج إلى استئذانٍ آخَرَ، وإن لم يكن عنده مَن قد أذن له؛ لم يدخل حتَّى يستأذن، والله أعلم، وتَقَدَّمَ كلام ابن المُنَيِّر في ذلك.
          قوله: (وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «هُوَ إِذْنُهُ»): كذا في أصلنا القاهريِّ، وكذا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، بلا تردُّد، وفي نسخة في هامش أصلنا القاهريِّ عوض (سعيد): (شعبة)، وقد رأيتُ في حاشية نسخةٍ صحيحةٍ بـ«البُخاريِّ» عَنِ الصغانيِّ، ولفظها: (في الإسماعيليِّ: «شعبة»)؛ يعني: عن قتادة...؛ الحديثَ، قال: (وفي «صحيح ابن عمارة»: «سعيد»، ورفع الحديثَ الإسماعيليُّ، ولم يرفعه ابنُ عمارة)، انتهى.
          وقال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (قال أبو داود: قتادة لم يسمع مِن أبي رافع، وقال غيره: سمع منه)، ثُمَّ ذكر المعلَّق، ثُمَّ قال: (وهو مختصَرٌ مِنَ الذي بعده)، ثُمَّ ذكر الحديث بعده، ولفظه: («إذا دُعِيَ أحدُكم إلى الطعام، فجاء مع الرسول؛ فإنَّ ذلك إذنه»، أبو داود في «الأدب» عن حسين بن معاذ، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة به، وقال: قتادة لم يسمع من أبي رافع)، انتهى، و(أبو رافع) هذا: اسمه نُفَيع أبو رافعٍ الصائغ البصريُّ، روى أبو رافع هذا عَن عمر، وعثمان، وأُبيٍّ، وعنه: قتادة وبكرٌ المزنيُّ، ثقة نبيلٌ، أخرج له الجماعة.
          وقال شيخُنا في المعلَّق: (وهذا أخرجه أبو جعفر في «مشكله» عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى، عَنِ المعتمر، عَنِ ابن عُيَيْنَة، عن سعيد به)، انتهى، وأبو جعفر: هو الطحاويُّ، وأبو إبراهيم: هو المُزَنيُّ صاحب الشَّافِعيِّ.


[1] في (أ): (هل)، والمثبت من مصدره.