التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث أسماء: يا بني إنهم يعيرونك بالنطاقين

          5388- قوله: (حَدَّثَنَا(1) مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا(2) أَبُو مُعَاوِيَةَ): (مُحَمَّد) هذا: هو [ابن] سلَام؛ بالتخفيف على الأصحِّ، قال شيخنا: (كما نصَّ عليه أبو نعيم، وذكر الكلاباذيُّ أنَّ مُحَمَّد بن سلَام ومُحَمَّد بن المثنَّى يرويان عن أبي معاوية مُحَمَّدِ بن خازم الضرير)، انتهى، والمِزِّيُّ لم ينسبه.
          قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ): (هشام) هذا: هو ابن عروة بن الزُّبَير بن العَوَّام، وقد روى هذا الحديث عن أبيه عروة ووهب بن كَيسان؛ كلاهما عن أسماء، والذي ظهر لي في الحكمة في أنَّه أعاد الجارَّ في قوله: (وعن وهب بن كَيسان)، ولم يقل: عن أبيه ووهب بن كيسان: أنَّه سمعه منهما متفرِّقَين لا مجتمعَين، فلو لم يُعْدِ الجارَّ؛ لفُهِم منه أنَّه سمعه منهما في مجلسٍ مجتمعَين، والله أعلم.
          قوله: (يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ): تَقَدَّمَ الكلام على (ذات النطاقين)، وما (النطاق) [خ¦2979].
          قوله: (يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ): الأفصح تعديته بنفسه، وقد تَقَدَّمَ [خ¦30].
          قوله: (إِيهًا): هو بكسر الهمزة منوَّن، كلمة تصديق وارتضاء، ورُويَ: (إيهٍ)؛ وهي كلمة استزادة؛ ومعناه: زدني من هذا الكلام، وقد تأتي (إيهًا) بمعنى: كيف(3).
          قوله: (تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا): وفي بعض النسخ: (فتلك شكاة...) إلى آخره، هذا عجز بيت من قصيد، أوَّل هذا البيت [من الطويل]:
وَعَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا                     وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا
          وهي لأبي ذُؤيب الهذليِّ في نُسيبة(4) الهذليَّة، قاله شيخنا(5)، وفي كلام ابن عَبْدِ البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة أسماء بنت أبي بكر، قال ما لفظه: لمَّا بلغ ابن الزُّبَير أنَّ الحَجَّاج يعيِّره بـ«ابن ذات النِّطَاقَين»؛ أنشد قول الهذليِّ، فذكر بيتين؛ البيت الأوَّل:
وَعَيَّرَهَا الوَاشُونَ.................
          البيت، والبيت الثاني:
فَإِنْ أَعْتَذِرْ مِنْهَا فَإنِّيَ مُذْنِبٌ                     وَإِنْ تَعْتَذِرْ تَرْدُدْ عَلَيْكَ اعتِذَارَهَا
          ففي هذا الكلام أنَّه تمثَّل به ولم يبتدئه، وقال شيخنا: (قال ابن قتيبة: لست أدري أخذ ابن الزُّبَير هذا من قول أبي ذؤيب أو ابتدأه؟) انتهى، وقد تَقَدَّمَ كلام ابن عَبْدِ البَرِّ، والله أعلم، و(ظاهرٌ) معناه: زائلٌ، قال الأصمعيُّ: (ظهر عنه العار: زال وذهب؛ أي: لا عارَ عليَّ فيه).
          قوله: (وتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا): فإن كان ابتدأه؛ فـ(تلكَ) و(عنكَ) بفتح الكاف، يخاطِب نفسه، وهو في أصلنا بالفتح فيهما، وكذا أحفظه أنا في «الصَّحيح»، وإن كان تمثَّل به؛ فتُكسَر الكاف من (تلكِ)، وكسرها من (عنكِ)؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث، والله أعلم.


[1] كذا في (أ) و«اليونينيَّة»، وفي (ق): (حدثني).
[2] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (أَخْبَرَنَا).
[3] كذا في (أ) وعليها: (صح)، وفي المطبوع من المصادر: (كُف)، انظر «مطالع الأنوار» ░1/361_362▒.
[4] في هامش (أ): (لعلَّه: نبيشة).
[5] كذا في (أ) تبعًا لـ «التوضيح» ░26/123▒، وفي «ديوان أبي ذؤيب الهذلي» (ص108▒ أنَّه يرثي نُشَيْبة بن محرث، وفي البيت الحادي والثلاثين مِن القصيدة صرح باسمه بقوله:
~وإنِّي صَبَرتُ النفسَ بعد ابنِ عَنْبَسٍ                     نُشَيْبَةَ والهَلْكَى يَهيجُ ادِّكارُها