التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الأكل متكئًا

          قوله: (بَابُ الأَكْلِ مُتَّكِئًا:) ذكر الحديث الذي فيه: «لا آكل متَّكئًا»، اعلم أنَّ أكله ◙ متَّكئًا؛ هل هو حرام عليه أو مكروه، كما هو في حقِّنا؟ فيه وجهان لأصحاب الشَّافِعيِّ، أشبههما _كما قاله الرافعيُّ_ الثاني؛ يعني: أنَّه مكروه، وجزم بالأوَّل صاحبُ «التلخيص»؛ أي: لما فيه من الكِبر والعُجْب، وعُلِّل الأوَّل بأنَّه لم يثبت فيه ما يقتضي التحريم، واجتنابه ◙ الشيءَ واختيارُه غيرَه لا يدلُّ على كونه محرَّمًا عنده.
          ثُمَّ ما المراد بـ(المتَّكئ) في الحديث؟ قال الخَطَّابيُّ: (المراد به هنا: الجالس المعتمد على وِطاءٍ تحته)، وأقرَّه البَيْهَقيُّ عليه في «سننه»، وكذا قال صاحبُ «الشفا»، فإنَّه فسَّره بما فسَّره به الخَطَّابيُّ، ثُمَّ قال: (وليس هو الميل إلى شقٍّ عند المحقِّقِين)، وكذا قال ابن دحية في «المستوفَى في أسماء المصطفى»: (إنَّ الاتِّكاء في اللغة هو التمكُّن في الأكل)، ونقل ابن قُرقُول الكلامَ المتقدِّم عن الخَطَّابيِّ، وأقرَّه عليه، وقال ابن الأثير في «نهايته»: (المتَّكئ في العربيَّة: كلُّ مَن استوى قاعدًا على وِطَاء متمكِّنًا، والعامَّة لا تعرف المتَّكئ إلَّا مَن مال في قعوده معتمدًا على أحد شقَّيه، والتاء فيه بدلٌ من الواو، وأصله من «الوِكاء»؛ وهو ما يُشَدُّ به الكيس، كأنَّه أوكأ مقعدته وشدَّها بالقعود على الوِطاء التي تحته، ومعنى الحديث: إنَّي إذا أكلت؛ لم أقعد متمكِّنًا فعلَ من يريد الاستكثار منه، ولكن آكل بُلْغَةً، فيكون قعودي مُسْتَوْفِزًا، ومَن حمل الاتِّكاء على الميل إلى أحد الشقَّين؛ تأوَّله على مذهب الطبِّ؛ فإنَّه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا، ولا يُسيغُه هنيًّا، وربَّما تأذَّى به) انتهى، وأنكر ابن الجوزيِّ المعتمد، وقال: (المراد به: المائل(1) على جنبٍ)، والله أعلم.


[1] في (أ): (المال)، ولعلَّ المُثْبَت هو الصَّواب.