التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من رايا بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به

          قوله: (بابُ مَنْ رَايَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ): (المراءاة): معروفة، وروي: (راءى)؛ ومعنى (تأكَّل): أي: أكل به عامدًا ذلك ومتحرِّيه، ومادَّة (تفعَّل) تقتضي التَّكسُّب إلَّا أفعالًا ندرت فمعناها الطَّرحُ، وقد قدَّمتُها في أوَّل هذا التعليق في قوله: (والتحنُّث: التعبُّد) [خ¦3]، وقد روى أبو عبيد من حديث أبي سعيد الخدريِّ مرفوعًا: «تعلَّموا القرآن واسألوا الله به قبل أن يتعلَّمه قومٌ يسألون به الدنيا، فإنَّ القرآن يتعلَّمه ثلاثةُ نفرٍ: رجلٌ يُباهي به، ورجلٌ يستأكل به، ورجلٌ يقرأ لله»، وذكر أيضًا عن زاذان قال: «من قرأ القرآن ليستأكل به الناس؛ جاء يوم القيامة ووجهه عظمٌ ليس عليه لحم»، وقال ابن مسعود: (سيجيء على الناس زمانٌ يُسأل فيه بالقرآن، فإذا سألوكم؛ فلا تُعطوهم)، قاله شيخنا، انتهى.
          وقد روى أحمد في «المسند» بإسناده: أنَّ معاوية كتب إلى عبد الرَّحمن بن شِبْل: أنْ علِّمِ الناس ما سمعتَ من رسول الله صلعم، فجمعهم فقال: إنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: «تعلَّموا القرآن، فإذا علِمْتموه؛ فلا تَغلوا فيه، ولا تحفوا عنه، ولا تأكَّلوا به، ولا تستكثروا به»، وقد روى أبو يعلى الموصليُّ في «مسنده» من حديث عبد الرَّحمن بن شِبْل: أنَّه سمع رسول الله صلعم يقول: «اقرؤوا القرآن، ولا تَغلوا فيه، ولا تحفوا عنه، ولا تأكَّلوا به، ولا تستكثروا به»، وقد تَقَدَّم هذا من «المسند» إلَّا أنَّ هذا أسقط: (ابن مسعود)(1) وقال: (سمعت رسول الله صلعم)، وهو صَحابيٌّ ☺.
          وقد روى الحاكم في «المستدرك» في تفسير (سورة مريم) من جملة حديثٍ عن أبي سعيد: «ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر»، فقلت للوليد _يعني:(2) بشير بن أبي عمرو الخولانيَّ سأل الوليدَ_: ما هؤلاء؟ فقال: المنافق كافر، والفاجر يتأكَّل به، والمؤمن يؤمن به، صحيحٌ.
          قوله: (أَوْ فَخَرَ بِهِ): كذا في أصلنا بالخاء المعجمة بالقلم، وفي طرَّة أصلنا: (فجر)؛ بالجيم، وعليها علامة نسخة الدِّمْياطيِّ، وفي أصلنا الدِّمَشْقيِّ: (فجر)؛ بالجيم مجوَّد بالقلم، ليس غير، وكذا رأيتهما في غير أصلنا القاهريِّ، ونقَلَهما شيخنا في «شرحه» روايتين، انتهى، ولم يذكره ابن قُرقُول بالكُليَّة.


[1] كذا في (أ)، والذي في «مسند أحمد» معاوية لا ابن مسعود، لكن الحديث عند أحمد وأبي يعلى من حديث عبد الرحمن ابن شبل وإن كان فيه ذكر معاوية عند أحمد.
[2] زيد في (أ): (ابن)، والسائل للوليد هو بشير بن أبي عمرو.