التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن العين نائمة والقلب يقظان

          7281- قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (عَبَادة هذا: بفتح العين، وما عدا هذا في «الصحيحين»: عُبَادة؛ بضَمِّ العين)، انتهى، وهذا صحيحٌ، ليس في «البُخاريِّ» و«مسلمٍ» و«المُوَطَّأ» أيضًا عَبَادة إلَّا والدَ مُحَمَّد بن عَبَادة هذا، ولا أستحضرُ في الكُتُب السِّتَّة راويًا اسمه عَبَادة؛ بفتح العين، وتخفيف المُوَحَّدة كهذا، و(مُحَمَّد بن عَبَادة) هذا: يروي عن إسحاقَ الأزرقِ، وأبي أسامة، وجماعةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، وخلقٌ، قال أبو حاتم: (صدوقٌ، صاحب نحوٍ وأَدَبٍ)، وقال أبو داود: (ثقة)، أخرج له من الأئمَّة السِّتَّة مَن روى عنه، و(يَزِيدُ) بعدَه: هو ابنُ هارون، و(سَلِيمُ(1) بْنُ حَيَّانَ): هو بفتح السين، وكسر(2) اللام، و(حَيَّان): بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد المُثَنَّاة تحت، و(سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ): هو بالمدِّ والقصر.
          قوله: (جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلعم): هؤلاء الملائكة لا أعرف أسماءهم، غير أنِّي رأيتُ في «التِّرْمِذيِّ» حديثًا عن جابر بن عبد الله لفظه: خرج علينا رسول الله صلعم يومًا، فقال: «إنِّي رأيتُ في المنام كأنَّ جبريلَ عند رأسي، وميكائيلَ عند رِجلَيَّ...»؛ فذكر نحوه، ونحوُ الحديث الذي في «البُخاريِّ» حديثُ عبد الله بن مسعود في «التِّرْمِذيِّ»، وفيه: «وهل تدري مَن هم؟» قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلم، قال: «هم ملائكة»، وقال بعضُ حُفَّاظ العَصْرِ: (سمَّى منهم جبريلَ وميكائيلَ، رواه التِّرْمِذيُّ والإسماعيليُّ)، انتهى.
          قوله: (وَالقَلْبُ يَقْظَانُ): (القلبُ): مَرْفُوعٌ على الابتداء، و(يقظانُ): خبرُه، ولا ينصرفُ، فهو مَرْفُوعٌ غيرُ مُنَوَّن، ويجوزُ نصبُ (القلب) عطفًا على (العَيْنَ) الذي هو اسم (إِنَّ)، و(يَقظانُ): خبرٌ مَرْفُوعٌ غيرُ مُنَوَّن، خبرُ (إنَّ)، وبالأوَّل ضُبِط في أصلنا، وأمَّا الثاني؛ فلا خفاءَ فيه، وكذا قوله في المكان الثاني في هذا الحديث.
          قوله: (وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً): (المأدَُبَة): بضَمِّ الدال المُهْمَلَة وفتحها، و(الأُدبة): بالضَّمِّ، والأوَّلتان في «الصحاح»، والثلاث في «القاموس»، طعامٌ صُنِع لدعوةٍ أو عُرْسٍ، وقال الجوهريُّ: (والأَدْبُ أيضًا: مصدرُ أَدَبَ القومَ يأْدِبُهم؛ بالكسر؛ إذا دعاهم إلى طعامه، والآدِبُ: الداعي)، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال: (ويُقال أيضًا: آدَبَ القومَ إلى طعامه يُؤْدِبهم إيدابًا، حكاه أبو زيد، واسمُ الطعام: المأدُبة والمأدَبة)، وقال ابنُ القطَّاع: (وأَدَبْتُ القومَ أدْبًا وأُدْبةً، وآدَبْتُهم: صنعتُ لهم طعامًا، واسمه: المأدُبة والمأدَبة)، وقال ابن قُرقُول: («مأدَبة»: بفتح الدال وضمِّها؛ وهي الطعامُ يُصنَع للقوم يُدعَون إليه، ومن الأَدب: بالفتح، ومن الطعام: بالضَّمِّ، كذا قاله الأصمعيُّ)، انتهى.
          فإن كان هذا الطعامُ صُنِع لإكمال الدار؛ فاسمه الخاصُّ: وَكِيرة، ولا شكَّ أنَّ الطعام لإكمال البناء وَكِيرةٌ، لكن مقتضى كلامِ أهل اللغة الذين وقفتُ على كلامهم: أنَّ الولائم كلَّها يُطلَق عليها: مأدبة، كلّ فردٍ فرد، والله أعلم.
          قوله: (يَفْقَهْهَا): هو مجزومٌ جواب الأمر، و(الفقه): الفَهم.
          قوله: (وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ): هو بفتح الفاء، وإسكان الراء، كذا هو مضبوطٌ في أصلنا، مبتدأٌ وخبرٌ، وفي هامشه: (فَرَّقَ)؛ بفتح الفاء والراء المُشَدَّدة والقاف: فعلٌ ماضٍ؛ أي: يُفَرِّق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه.
          قوله: (تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ جَابِرٍ): الضميرُ في (تابعه) يعود على مُحَمَّد بن عَبَادة، وهذا يُسَمَّى: تابعًا، والظاهرُ أنَّ قولَه: (تابعه فلانٌ) هو مثلُ قوله: (قال فلانٌ)، وإذا كان مثلَه؛ فالظاهر أنَّه أخذه عن قُتَيْبَة _وهو شيخه_ في حال المذاكرة، والله أعلم، وقد أخرج متابعةَ قُتَيْبَة التِّرْمِذيُّ في (الأمثال) عن قُتَيْبَة به، وسيأتي قريبًا ما قال فيه التِّرْمِذيُّ.
          و(ليث): هو ابنُ سعد، أحد الأعلام، و(خالد): هو ابنُ يزيد الجُمَحِيُّ مولاهم، أبو عبد الرحيم البربريُّ ثُمَّ المصري، الفقيه المفتي، عن عطاء بن أبي ربَاح، وسعيد بن أبي هلال، والزُّهْرِيِّ، وجماعةٍ، وعنه: حَيْوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيُّوب، والليث، وطائفةٌ، وَثَّقَهُ النَّسائيُّ، وقال أبو حاتم: لا بأسَ به، تُوُفِّيَ سنة ░139هـ▒، وكان ابنُه عبدُ الرحيم من أصحاب مالكٍ الفقهاءِ، أخرج لخالدٍ الجماعةُ.
          ومتابعة سعيد بن أبي هلال أخرجها التِّرْمِذيُّ في (الأمثال) عن قُتَيْبَة به، وقال: (مرسَلٌ، سعيدٌ لم يُدْرِك جابرًا، وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن النَّبيِّ صلعم من غير هذا الوجه بإسناد أصحَّ من هذا)، انتهى، وكذا قال العلائيُّ في «مراسيله»: (إنَّ سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابرًا، قاله التِّرْمِذيُّ وغيره)، انتهى، ونقل شيخُنا كلامَ التِّرْمِذيِّ، ثُمَّ قال: (وكذا قاله خلف في «أطرافه»: إنَّه لم يسمع من جابر، وإنَّه ليس بمتَّصلٍ)، انتهى.


[1] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة»: (سليمان)، وينظر هامشها، وانظر «تهذيب الكمال» ░11/348▒، وتقدم عند الحديث ░1334▒.
[2] في (أ): (وفتح)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.