التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من قضى ولاعن في المسجد

          قوله: (وَلَاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلعم): (عمر): هو ابنُ الخَطَّاب الفاروقُ الخليفةُ ☺، وإنَّما ميَّزته؛ لأنَّ في الصَّحابة جماعةً كلٌّ منهم اسمه عمر، ولئلَّا يشتبه بعمر بن عبد العزيز، وقوله: (لاعن)؛ أي: أمر بالملاعنة هناك.
          قوله: (وَقَضَى مَرْوَانُ): تَقَدَّمَ أنَّه ابنُ الحكم، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته، وأنَّه ليس بصحابيٍّ، ولا له رؤية، ولا رواية عن النَّبيِّ صلعم [خ¦764].
          قوله: (وَقَضَى شُرَيْحٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن الحارث القاضي، وتَقَدَّمَ أنَّ النَّسائيَّ أخرج له [خ¦6/24-547].
          قوله: (وَالشَّعْبِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الشين، وأنَّه عامر بن شَراحيل.
          قوله: (وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ): تَقَدَّمَ أنَّه غير مصروف، وأنَّه بفتح الميم، وتَقَدَّمَ كلام ابن قُرقُول عن البُخاريِّ في (اليعمريِّ) [خ¦3474].
          قوله: (وَكَانَ الحَسَنُ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه ابن أبي الحسن يسار البصريُّ، أحد الأعلام.
          قوله: (وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى): تَقَدَّمَ مُترجَمًا رحمة الله عليه.
          قوله: (فِي الرَّحَبَةِ خَارِجًا مِنَ المَسْجِدِ): (رحَبة المسجد): هي بفتح الحاء، قاله الجوهريُّ؛ وهي المكان الرَّحْب؛ أي: المُتَّسع الذي يُجعَل غالبًا قُدَّام باب المسجد، وهو المحوط لأجل المسجد، وهو أخصُّ من الحريم، قال الشيخ محيي الدين: (ومن المُهمِّ بيانُ حقيقة هذه الرَّحبة، قال صاحب «الشامل» و«البيان»: المراد بـ«الرَّحَبة»: ما كان مضافًا إلى المسجد مُحجَرًا عليه، قالا: والرَّحَبة مِن المسجد، قال صاحب «البيان» وغيره: وقد نصَّ الشَّافِعيُّ على صحَّة الاعتكاف في الرَّحَبة، قال القاضي أبو الطيِّب في «المُجرَّد»: قال الشَّافِعيُّ: يصحُّ الاعتكاف في رحاب المسجد؛ لأنَّها من المسجد، قال النَّوويُّ: واتَّفق الأصحاب على أنَّ المأموم لو صلَّى في رحبة المسجد مقتديًا بالإمام في المسجد؛ صحَّت صلاته، وإن حال بينهما حائلٌ يمنع الاستطراق والمشاهدة؛ لم يضرَّه؛ لأنَّ الرَّحَبة من المسجد كما سبق، وقد وقع بين أبي عَمرو بن الصلاح وبين أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلام في ذلك في الصَّلاة بباب دمشق، وهو باب الساعات، فلو صلَّى المأموم تحت الساعات بصلاة الإمام في الجامع؛ هل تصحُّ صلاته؟ قال ابن عبد السَّلام: تصحُّ، وقال ابن الصَّلاح: لا تصحُّ؛ لأنَّه ليس برحَبة، وإنَّما الرَّحَبة صحن الجامع، وطال النِّزاع بينهما، والصَّحيحُ قولُ ابن عبد السَّلام).
          واعلم أنَّه ليس كلُّ مسجد يكون له رحَبة، بل قد يكون له رحَبة وقد لا يكون، وكلُّ مسجد لا ينفكُّ عن الحريم، ويتَّفق أن يكون المسجد له حريم ورحَبة، فإذا وقف إنسانٌ بقعةً محدودة، وحطَّ فيها مسجدًا للبناء، وترك أمامَ الباب قطعةً مِن تلك البقعة؛ فهذه هي الرَّحَبة، لها أحكام المسجد، والحريم محيطٌ بهذه الرَّحَبة، ويجب على الناظر تمييزُ هذه الرَّحَبة من الحريم بعلامة؛ ليتحرَّز منها الجنُب وتُحتَرم ويُصلَّى فيها التَّحيَّة، والمراد بـ(الحريم): ما يُحتاج إليه لطرح القُمامات، والزبالات، وقشور الفاكهة، ونحوها ممَّا يحتاج إليه عُمَّار المسجد، والمُتردِّدون إليه، وتارةً توقف البقعة، وتُحوَّط كلُّها بالبناء، ولا يُترَك فيها بقيَّةٌ، بل يُجعَل سورُ المسجد مُحِيطًا بجميعها، فهذا المسجد لا رَحَبةَ له، ولكن له حريم؛ كحريم سائر الدُّور، وبهذا يتَّضح لك حقيقة الرَّحَبة.
          وقوله فيه: (خَارِجًا مِنَ المَسْجِدِ)؛ أي: خارج بناء المسجد، ويَحتمل أنَّهما كانا لا يريان الرَّحَبة من المسجد، والله أعلم.