الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع

          ░2▒ (باب عَرْضِ الشُّفْعَةِ) أي: عرضِ الشريكِ الشُّفعةَ (عَلَى صَاحِبِهَا) أي: على شريكِهِ المستحِقِّ لها (قَبْلَ الْبَيْعِ) أي: هل تبطُلُ شُفعتُه بذلك أم لا؟ والجمهورُ على أنها لا تبطُلُ بذلك، بل بما بعد البيعِ أو بلوغِه الخبرَ ولم يطلبُهْا، وقدَّرَه شيخُ الإسلامِ؛ أي: ندْبِ عرضِ الشريكِ لها على مَن ذكَرَ، انتهى.
          (وَقَالَ الْحَكَمُ) بفتحتين؛ أي: ابنُ عُتَيبةَ _بالعين المهملة والفوقية، مصغَّرُ: عُتْبةَ_، وكُنيتُه: أبو محمدٍ، ويقالُ: أبو عبد الله، الكوفيُّ التابعيُّ (إِذَا أَذِنَ) بكسر الذال المعجمة؛ أي: شَريكُ البائعِ مثَلاً (لَهُ) أي: لشريكِه الذي يريدُ البيعَ (قَبْلَ الْبَيْعِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ) وقد وصلَ تعليقَ الحكَمِ ابنُ أبي شيبةَ بلفظ: ((إذا أذِنَ المشتري في الشِّراءِ فلا شُفعةَ له)).
          (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة، التابعيُّ الكبيرُ، مما وصلَه ابنُ أبي شيبةَ أيضاً (مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ) أي: الدارُ التي يستحقُّ الشُّفعةَ فيها، وجملةُ: (وَهْوَ شَاهِدٌ) أي: حاضِرُها، حاليةٌ (لاَ يُغَيِّرُهَا) بتشديد التحتية المكسورة؛ أي: لم يأخُذْ بالشُّفعةِ فوراً على ما يأتي، فتتغيَّرُ عن حالِها، والجملةُ حالٌ ثانيةٌ، أو صفةٌ لـ((شاهدٌ)).
          وجملة: (فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ) جوابُ ((مَن)) الشرطيةِ، وهذا مذهَبُ المصنِّفِ ومَن ذُكرَ، قال ابنُ بطَّالٍ: هذا قولُ الحكَمِ والثوريِّ وأبي عُبيدٍ وطائفةٍ من أهلِ الحديثِ، قال: واحتجُّوا بحديثِ سُفيانَ عن أبي الزُّبيرِ عن جابرٍ، قال: قال رسولُ الله: ((مَن كان له شَريكٌ في رَبْعةٍ، فليس له أن يبيعَ حتى يستأذِنَ شريكَه، فإن رضِيَ أخَذَ، وإن كَرِهَ تركَ)) وقالت طائفةٌ: له الشُّفعةُ حينئذٍ، وهو قولُ مالكٍ والكوفيِّين والشافعيِّ وروايةٌ عن أحمدَ، واحتجَّ أحمدُ فقال: لا تجبُ له الشُّفعةُ حتى يقَعَ البيعُ، فإن شاء أخذَ، وإن شاء ترَكَ، واحتجَّ بمثلِه ابنُ أبي ليلى، انتهى.
          ومثلُه في ((التوضيح)) وزاد: وحُكي أيضاً عن عثمانَ البَتِّيِّ وابنِ أبي ليلى، وقال كابنِ بطَّالٍ: واختلفوا في المسألةِ التي ذكرها الشعبيُّ، فقال مالكٌ: إذا باعَ الشريكُ نصيبَه من أجنبيٍّ وشريكُه حاضرٌ يعلَمُ ببيعِه، فله المطالبةُ بالشُّفعةِ متى شاء، ولا تنقطِعُ شُفعتُه إلا بمُضيِّ مدَّةٍ يُعلَمُ أنه في مثلِها تاركٌ، واختُلف في المدَّة، فقيل: سنةٌ، وعُزي لـ((المدوَّنة)) وقيل: فوقَها، وقيل: فوقَ ثلاثٍ، قال أَصبَغُ: السَّنتانِ والثَّلاثِ قليلٌ، لا تنقطِعُ معه الشُّفعةُ، وقيل: فوقَ خمسةٍ، قال ابنُ الماجشونِ: لا ينقطِعُ حقُّ الشُّفعةِ إلا بالطُّولِ، سمعتُ مالكاً يقول: لخمسِ أعوامٍ ليس بكثيرٍ.
          وقال ابنُ الملقِّن: ذهبَ ابنُ حزمٍ إلى الأخذِ بالشُّفعةِ متى شاء، ولو بعد ثمانينَ سنةً أو أكثرَ، وعن أبي حنيفةَ: ثلاثةُ أيامٍ، وبه يقولُ البَتِّيُّ، وقال أبو حنيفةَ: إذا وقعَ البيعُ، فعلِمَ الشفيعُ به، فإن أشهَدَ مكانَه أنَّه على الشُّفعةِ، وإلا بطلَتْ، / وبه قال الشافعيُّ، إلا أن يكونَ له مانعٌ من طلَبِها؛ كحَبسٍ، فهو على شُفعتِه، انتهى.