شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

«إن» المخفَّفة واتصال اللام بتالي ما بعدها

          ░11▒
          ومنها قولُ عبدِ الله بْنِ بُسْرٍ: «إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ».
          وقولُ رسول الله صلعم: «وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ». [خ¦4250]
          وقولُ معاوية ☺: «إنْ كانَ مِنْ أَصْدَق هؤلاءٍ» [خ¦7361]؛ يعني كَعْبَ الأحبار.
          وقولُ نافعٍ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي على الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ». [خ¦1511]
          قال: تضمَّنت هذه الأحاديثُ استعمالَ (إنْ) المخففة المتروكةِ العملِ عارياً ما بعدَها من اللام الفارقة؛ لعدم الحاجة إليها. وذلك لأنَّه إذا خُفَّفتْ (إنَّ) صار لفظها كلفظ: (إنْ) النافية/ فَيُخَافُ التباسُ الإثبات بالنفي(1) عند ترك العمل. فَأَلْزَمُوا تاليَ ما بعدَ المخففةِ اللامَ المؤكّدَة مُمَيِّزَةً لها.
          ولا يُحتاج إلى ذلك إلَّا في موضع صالحٍ للنَّفي والإثبات، نحو: إنْ عَلِمْتُك(2) لَفَاضلاً، فاللام هنا لازمةٌ، إذْ لو حُذِفت _مع كون العمل متروكاً وصلاحية الموضع للنفي والإثبات_ لم يُتَيقَّنِ الإثباتُ، فلو لم يصلح الموضعُ للنفي جاز ثُبوتُ اللام وحذفُها. /
          فمن الحذف: «إنْ كُنَّا فرغنا في هذه الساعة»، و «إنْ كان من أَحَبِّ الناسِ إليَّ»، و «إنْ كان مِنْ أَصْدقِ هؤلاءِ»، و «إنْ كانَ يُعْطي عن بَنِيَّ».
          ومنهُ قول عائشة ♦: «إنْ كانَ رسولُ الله صلعم يُحِبُّ التَّيمُّنَ»، وقولُ عامر بن ربيعة: «إنْ كان رسولُ اللهِ صلعم يبعثُنا ومالنا طَعَامٌ إلَّا السَّلَفَ مِنَ التَّمر».
          حديثُ عائشة ♦ من (جامع/ المسانيد)، وحديثُ عامر من (غريب الحديث).
          ومنه قراءة أبي رجاء: ▬وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لِمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا↨؛ أي: وإن كلٌ للذي هو متاعُ الحياة الدنيا، فَحُذِفَ من الصلة المبتدأُ وأُبْقيَ الخبرُ.
          ومن حذف مبتدأ الصلة قراءةُ يحيى بن يَعْمَرَ: ▬تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنُ↨ (3). /
          ومنه قولُ الطِّرِمَّاحِ بنِ حَكيم:
أَنَا ابْنُ أُبَاةِ الضَّيْمِ مِنْ آلِ مالكٍ                     وإنْ مالكٌ كانت كِرامَ المعادنِ
          ومثله قولُ الآخر:
إنْ كنتُ قَاضِيَ نَحْبي يومَ بينكم                     لَوْ لَمْ تَمُنُّوا بِوَعْدٍ بعد توديعِ
          ومثله:
أخي إنْ علمتُ الجودَ للحمد مُبْقياً(4)                       ولِلْوُدِّ مثبتًّا وللمالِ مُفْنِيا
          ومثله:
إنْ وَجَدْتَ الكريمَ يَمْنَعُ أَحْيَا                     ناً وَماَ إنْ بِذَا يُعَدُّ بَخيلَا
          وقد أغفل النحويون التنبيه على جواز حذف اللام عند/ الاستغناء عنها بكون الموضع غيرَ صالحٍ للنفي، وجعلوها عند تركِ العمل لازمةً على الإطلاق؛ ليجريَ البابُ على سَنَنٍ واحدٍ.
          وحاملُهم على ذلك عدمُ الاطلاع على شواهد السَّماع، فَـــبَـــيَّـــنْتُ إغفالَهم، وثَبَتَ الاحتجاجُ عليهم لا لهم. /
          وأزيدُ على ذلك أنَّ اللَّامَ الفارقةَ إذا كان بعدَما وَلِيَ (إنْ) نَفْيٌ واللَّبْسُ مأمُونٌ فحذفُها واجبٌ، كقول الشاعر:
إنِ الحَقُّ لا يَخْفَى على ذِي بَصيرةٍ                     وإنْ هو لم يَعْدَمْ خِلافَ مُعَانِدِ
          ومثله:
أَمَا إنْ علمتُ اللهَ ليس بغافلٍ                     فهانَ اصْطبارِي أَنْ بُلِيتُ بظالمِ /


[1] في (ج): (النفي والإثبات).
[2] في (ج): (علمك) وهو تحريف.
[3] قوله: «ومن حذف... الذي أحسن» ليس في (ب) و(ج) وسقط من المطبوعات السابقة.
[4] هكذا في الأصل، والذي في (ب)و(ج): (مُنْمِياً).