شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

استعمال «حول» بمعنى «صير»

          ░19▒
          ومنها قولُ رسول اللهِ صلعم: «مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لي أُحُدٌ ذَهَباً» (1).
          قلتُ: تضمَّن هذا الحديثُ استعمالَ (حَوَّلَ) بمعنى: (صَيَّر) وعاملةً عملَها.
          وهو استعمالٌ صحيحٌ خفي على أكثر النحويين.
          والموضعُ الذي يليقُ أَنْ يُذْكَرَ فيه بابُ (ظنَّ) وأخواتِها؛ لأنها تقتضي/ مفعولين هما في الأصل مبتدأٌ وخَبرٌ.
          وقد جاءت في هذا الحديث مَبْنيَّةً لِماَ لَمْ يُسَمَّ فاعلُه، فرفعتْ أَوَّلَ المفعولين، وهو ضميرٌ عائدٌ إلى (أُحُدٍ)، ونَصَبَتْ ثانِيَهما، وهو (الذهب) فصارت ببنائها لِماَ لَمْ يُسَمَّ فاعلُه جاريةً مَجرى (صار) في رفعِ ما كان مبتدأً، ونصبِ ما كان خبراً، وهكذا حكمُ (ظنَّ) وأخواتِها.
          وكذا حُكْمُ ما صِيغَ منها على صيغة مُطَاوَعَةٍ، كارتَدَّ، وتحوَّلَ، فإنه بزيادة التاء تجدَّدَ له حَذْفُ ما كان فاعلاً، وجَعْلُ أولِ المفعولين فاعلاً، وجعلُ ثانيهما خبراً منصوباً، كما تجدَّدَ مثلُ ذلك في (حَوَّلَ) إذا بُني لما لم يُسَّم فاعلُه، كقولك في (حَوَّلَ اللهُ طائفةً من اليهود قِرَدَةً)، / و(تُحُوِّلَت طائفةٌ من اليهودِ قردةً)، و(حُوِّلت طائفةٌ من اليهود قردةً)(2).
          فـ: (حَوَّل) جارٍ مَجرى: (صَيَّر) في نصب مفعولين هما في الأصل مبتدأٌ وخبرٌ.
          و(تَحوَّلَ)، و(حُوِّل) جاريان(3) مجرى (صار) في رفع المبتدأ ونصب/ الخبر.
          وقد خفي هذا المعنى على مَنْ أنكر على الحريري قولَه في الخمر:
وما شيءٌ إذا فَسَـــــــدَا                     تَحوَّلَ غَيُّه رَشَدَا
زَكِيُّ العرق والدُهُ                     ولكن بئسَ ما وَلَدَا /


[1] في الأصل: (ما أحبُّ أن حوَّل)، ولفظُ الحديث كذا هو باتفاق الأصول، ولفظه في البخاري، ر/ 2388، من حديث أبي ذر ☺: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَلَمَّا أَبْصَرَ _يَعْنِي: أُحُدًا_ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ [في رواية أبي ذر: تَحوَّل] لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ..»، وهو اللفظُ المطابقُ لقضية إيراد المؤلف لهذا الحديث.
[2] قوله: (حُوِّلت طائفةٌ...) ليس في الأصل.
[3] في (ب): (جارٍ) تحريف.