شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

سد الحال مسد الخبر المحذوف

          ░54▒
          ومنها قولُه صلعم: «هُوَ لَهاَ صَدَقَةً ٌ».
          وقولُه صلعم: «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً ٌ» [خ¦3093] بالرفع والنصب.
          وقولُه صلعم: «نَحنُ الآخِرُونَ السَّابقوُنَ يوَم القيامةِ، بَيْدَ/ كُلُِّ أُمَّةٍ أُوتُوا الكتابَ مِنْ قبلناَ». [خ¦3486]
          وقولُ أبي هريرة ☺: (بَعَثَ رسولُ اللهِ صلعم أَبَانَ على سَرِيَّةٍ). [خ¦4238]
          وفي قصة موسى صلعم: «في مَكَانٍ ثَرْيَانَ». [خ¦4726]
          وقولُه صلعم: «اللَّهُمَّ سَبْعًا كَسَبْعِ يُوسُفَ»، وفي نسخة أبي ذَرٍّ(1) : «سَبْعٌ». [خ¦1007]
          وقولُه صلعم: «مَنِ اصْطَبَحَ بِسْبعِ تَمَراتٍ عَجْوَةً(2)». [خ¦5779] /
          وقولُه صلعم: «وَيْلُمِّهِ مِسْعَرَ حربٍ». [خ¦2731] [خ¦2732]
          قلتُ: يجوز في «هو لها صدقةٌ» الرفع على أَنَّه خبر (هو)، و(لها) صفةٌ قُدِّمت فصارت حالاً، كقوله:
والصالحاتُ عليها مُغلَقًا بابُ
          فلو قَصَدَ بقاءَ(3) الوصفيةِ لقال(4) : (والصالحاتُ عليها بابٌ مغلَقٌ)، وكذا الحديث، لو قُصِدَت فيه الوصفيةُ بـ: (لها) لقيل: هو صدقةٌ لها، وتَكون(5) (لها) في موضع رفعٍ.
          ويجوز أَنْ يُنْصَبَ (صدقةً) على الحال، ويُجعَل الخَبرُ (لها)(6)./
          و(ما) في «ما تركنا صدقةٌ» مبتدأٌ بمعنى (الذي)، و(تركنا) صلةٌ(7)، والعائد محذوفٌ، و(صدقةٌ) خبرٌ، هذا على روايةِ مَن رَفَعَ، وهو الأَجودُ؛ لسلامته من التكلُّف، ولموافقته روايةَ مَن روى: «ما تَرَكنا فهو صدقةٌ». [خ¦3712] /
          وأمَّا النصبُ فالتقديرُ فيه: ما تركنا مبذولٌ صدقةً، فَحُذِفَ الخبر وبقي الحال كالعِوَضِ منه.
          ونظيرُه: ▬وَنَحْنُ عُصْبَةً↨ بالنصب، وقد تقدَّم بيانُه.
          و(بيدَ) بمعنى: (غيرُ)، والمشهورُ استعمالُها مَتْلُوَّةً بـ: (أنَّ) كقوله ╕: «نَحنُ الآخِرونَ السَّابقونَ، بَيْدَ أَنَّهم أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِنا، وأُوِتيناهُ مِنْ بَعدِهم» [خ¦876]، ومنه قولُ الشاعر:
بَيْدَ أَنَّ اللهَ قَدْ فَضَّلَكم                     فوقَ مَنْ أَحْكَأَ صُلْبًا بإزارِ
          وقولُ الراجز(8) :
عَمْدًا فعلتُ ذاكَ بيدَ أَنِّي                     إِخَالُ لو هَلَكتُ لَم تُـَرنِّي/ /
          والأصل في رواية مَنْ روى: «بيدَ كُلُّ أُمَّةٍ»: بيد أَنَّ كُلَّ أُمَّةِ، فَحُذِفَتْ (أنَّ) وبَطُل عملُها، وأُضيفَ(9) (بَيدَ) إلى المبتدأ والخبر اللذين كانا معمولي (أَنَّ).
          وهذا الحذف(10) في (أنَّ) نادر، لكنه غيرُ مُسْتبعَدٍ في القياس على حذف (أنْ)؛ فإنَّهما أُختان في المصدرية، وشبيهَتان(11) في اللفظ.
          وقد حَمل بعضُ النحويين على حذف (أنَّ) قولَ(12) الزبير ☺(13) :
فلولا بَنُوهَا حَوْلَها لخَطَبْتُها (14)
          ومما حُذِف فيه (أنَّ) واكتُفِيَ بصلتها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ (15)} [الروم:24] [والأصل: أن يُريَكم](16)؛ لأنَّ الموضعَ موضعُ مبتدأٍ خبره / {مِنْ (17) آيَاتِهِ (18)}[الروم:24].
          ومثلُه قولُه صلعم: «لا يَحلُّ لِامْرأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ تُحِدُّ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاثٍ». [خ¦1281] [خ¦1282]
          وقولُه صلعم: «لا يَحلُ لامْرأةٍ تَسْأَلُ طلاقَ أُخْتها» [خ¦5152]؛ أراد: أَنْ تُحِدَّ، و: أَنْ تسألَ.
          والمختارُ عِندِي في (بَيدَ) أَنْ تُجْعَلَ حرفَ/ استثناءٍ، ويكونَ التقديرُ: إلَّا كُلُّ أُمَّةٍ أُوتُوا الكتابَ مِنْ قبلنا، على معنى (لكنْ)؛ لأنَّ معنى (إلَّا) مفهومٌ منها، ولا دليلَ على اسميَّتها(19).
          وقولُ أبي هريرة ☺: «بَعَثَ... أبَانَ» ليس فيه إشكالٌ؛ لأنَّ (أَبَانَ) علمٌ على وزن (أَفْعَل)، فيجبُ أن لَا يُصرَفَ(20)، وهو منقولٌ مِنْ (أَبَانَ) ماضي (يُبِيْنُ)، ولو لم يكن منقولاً لوجبَ أن يُقالَ فيه: (أَبْيَنُ) بالتصحيح، وفي روايته مفتوحَ النون شاهدٌ على خطأ مَنْ ظنَّ أنَّ وزنَه (فَعَالٌ)؛ إذْ لو كان كذلك لَنُوِّن؛ لأنَّه على ذلك التقدير عارٍ من سبب ثَانٍ للعَلَمِيِّة.
          وفي رواية: (ثَرْيانَ) بلا صرفٍ، شاهدٌ على أنَّ منعَ صرف (فَعْلَانَ) ليس مشروطاً بأنْ يكونَ له مؤنَّثٌ على (فَعْلَى)، بل شرطُه أن لا تلحقه تاءُ تأنيثٍ، / ويستوي في ذلك ما لا مُؤَنَّثَ له مِنْ قِبَلِ المعنى كـ: (لَحْياَنَ)، وما لا مُؤنَّثَ له من قِبَلِ الوَضعِ/ كـ: (ثَرْيَانَ)، وما له مؤنَّثٌ على (فَعْلَى) في اللغة المشهورة كسَكرانَ.
          وقولُه: «اللهمَّ سَبْعاً كَسَبْعِ يُوسُفَ»، النصبُ فيه هو المختارُ؛ لأنَّ الموضعَ موضعُ فِعْلِ دُعاءٍ، فالاسمُ الواقعُ فيه بدلٌ من اللفظ بذلك الفِعْل، فيستحقُّ النصبَ، والتقديرُ في هذا الموضع المخصوص: اللهمَّ ابْعَثْ عليهم سَبْعاً، أو: سَلِّطْ عليهم سبعاً.
          والرفع جائزٌ على إضمار مبتدأٍ، أو فِعْلٍ رافعٍ.
          ويجوز في «تمراتِ عَجْوَةٍ» الإضافةُ وتركُها.
          فمَن أضافَ فلا إشكالَ؛ لأنَّ (تمرات) مبهمةٌ، يحتملُ كونُها من العجوة ومن غيرها، فإضافتُها إلى العجوة إضافةُ عامٍّ إلى خاصٍّ، وهو مقتضى القياس، ونظيرهُ: ثيابُ خَزٍّ، وَحَبَّاتُ بُرٍّ.
          ومن لم يُضِف (تمراتٍ) نوَّنَ، وجاء بـ: (عجوةٍ) أيضًا مجرورًا على أنَّه عطفُ بيانٍ، ويجوزُ نصبُه على التمييز. /
          وأصل (وَيْلِمِّهِ): وَيْ لِأُمِّه، فحُذِفت الهمزةُ تخفيفًا؛ لأنه/ كلامٌ كَثُر استعمالُه، وجرى مَجْرى المَثَل.
          ومن العرب مَنْ يَضُمُّ اللامَ، وفي ضمِّها وجهان:
          أحدهما: أن يكونَ ضمَّ إِتْباعٍ للهمزة، كما كُسِرَتِ الهمزةُ إِتْباعًا لِلَّام في قراءة مَنْ قرأ: {فَلإِمِّهِ الثُّلُثُ}[النساء:11]، ثم حُذفت الهمزةُ وبَقِي تابعُ حركتِها على ما كان عليه.
          الوجه الثاني: أَنْ يكونَ الأصل: وَيْلُ أُمِّهِ، بإضافة (وَيْلٍ) إلى (الأمِّ) تنبيهًا على ثُكْلهِا وَوَيْلها لفَقْدِه.
          والأول أجوَدُ؛ ليتَّحدَ معنى المكسور والمضموم.
          و (وَيْ) من أسماء الأفعال بمعنى: (أَتَعَجَّبُ)، واللامُ متعلِّقةٌ به.
          ونُصِبَ (مِسْعَرَ حَرْبٍ) على التمييز. /


[1] قوله: (أبي ذر) ليس في (ج)، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ الَّذي في اليونينية أنَّ روايةَ (سبعًا) بالنصب هي رواية أبي ذرٍّ والأصيليِّ ورواية السمعانيِّ عن أبي الوقت، وأنَّ روايةَ غيرهم بالرفع وهو المثبَت في متن اليونينية.
[2] في الأصل: (عَجوةٍ) بالجرِّ، والمثبت من (ب) و(ظ) موافقٌ لضبط اليونينية في كلِّ مواضع ورود الحديث في صحيح البخاريِّ ░5445، 5768، 5769، 5779▒، وهذا الحديث مقدَّم على سابقه في (ظ).
[3] في (ب): (قُصِد بقاءُ).
[4] في غير (ظ): (لقيل)، وهو غير متناسب مع السياق.
[5] في (ب) و(ج): (ويَكون).
[6] في (ج): (تَجعلَ الخبرَ لها)، وفي (ظ): (ويجعل (لها) الخبر)، وبهامش (ظ): (حاشية: يجوز في (لها) الحكم عليه بكونه حالاً من الصدقة، وأن تكون خبرًا لـ: (هو)، فإن جعلناه خبرًا نَصَبنا الصدقةَ على الحال، وإن جعلناه حالاً رَفَعنا (صدقةٌ) على الخبرية) ا ه.
[7] في (ظ): (صِلَتُه).
[8] في (ظ): (الآخر)
[9] في (ظ): (وأُضيفت).
[10] تصحَّفت في (ج) إلى: (الحديث).
[11] في الأصل: (وشَبيهان).
[12] في (ب) و(ج): (نحوَ قولِ).
[13] في الأصل: (ابن الزبير ☻)
[14] في (ب): (لَخَبَطتُها)، وهو موافقٌ لما في المطبوع وما في مصادر التخريج، وأشار إليها في هامش (ظ)، والمثبَت من سائر الأصول موافقٌ للمنقول عن المؤلِّف، انظر بغية الوعاة: 1/ 133.
[15] في (ظ) زيادة: (دأآود دأآوذ ).
[16] ما بين المعقَّفتين ليس في الأصل، وهو مستَدرَكٌ بهامشه بخطٍّ متأخِّر.
[17] في (ظ): (ومن).
[18] في (ب) زيادة: (يريكم).
[19] في (ظ): (اسمها) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[20] في (ب) و(ج): (يَنصرِفَ) بزيادة النون.