شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

توجيه حديث: فلما قدم جاءه بالألف دينار

          ░13▒
          ومنها قولُ أبي هريرة ☺(1) : «فَلَمَّا قَدِمَ جاءَهُ بالألفِ دِيْنارٍ». [خ¦2291]
          قال: في وقوع (دينار) بعد (الألف) ثلاثة أوجه:
          أحدُها _وهو أجوَدُها_ : أن يكونَ أراد: بالألف ألفَ دينارٍ على إبدال (ألف) المضاف من المعرَّف بالألف واللام، ثم حَذَفَ المضافَ، وهو البدلُ؛ لدلالة المبدل منه عليه، وأبقى المضافَ إليه على ما كان عليه من الجرِّ، كما حُذِف المعطوفُ المضافُ وتُرِكَ المضافُ إليه على ما كان عليه قبلَ الحذف في نحو: (ماَ كُلُّ سَوْدَاءَ تمرةً ولا بيضاءَ شحمةً).
          وفي باب الاستعانة باليد في الصلاة «ثم قامَ فَقَرأَ العَشْرَ آياتٍ» [خ¦198](2) يُحمل/ أيضاً على أنَّ المرادَ: فقرأ العَشْرَ: عَشْرَ آياتٍ، على البدل، ثم حَذَفَ البدلَ وبقي ما كان مضافاً إليه مجروراً.
          ومن حذف(3) البدلِ المضافِ لدلالة المبدل منه عليه ما جاء(4) في (جامع المسانيد) من قول النبي صلعم: «خيرُ الخيلِ الأدْهَمُ الأَقْرَحُ الأَرْثَمُ المُحَجَّلُ / ثلاثٍ»؛ أي: المُحَجَّلُ مُحَجَّلُ ثلاثٍ. وهذا أجودُ من أن يكونَ على تقدير: المحجَّل في ثلاثٍ.
          ومن حذف البدل المضاف لدلالة المُبْدَلِ منه عليه قولُ الرَّاجز:
الآكلُ المالَ اليتيمِ بَطَراً                     يَأكلُ ناراً وسَيَصْلَى سَقَرَا
          أرادَ: الآكلُ المالَ مالَ اليتيمِ.
          ومثله قول الشاعر:
المالُ ذِي كَرَمٍ تَنْمِي محامدُه                     مادام يبذُلُه في السِرِّ والعَلَنِ
          أراد: المالُ مالُ ذي كَرَمٍ.
          وقد يُحذَفُ المضافُ باقياً عَمَلُهُ، وإنْ لم يكن بدلاً، كقوله صلعم/: «فَضْلُ الصَّلاةِ بالسِّواكِ على الصلاةِ بغيرِ سِوَاكٍ سبعينَ صلاةً»؛ أي: فضلُ سبعين صلاةً. من (جامع المسانيد). /
          ويجوزُ أن يكونَ الأصلُ: بسبعين صلاةً، فحُذِفَت الباءُ وبقي عمَلُها.
          الوجه الثاني: أن يكونَ الأصلُ: (جاءهُ بالألفِ الدِّينارِ) والمرادُ: بالألفِ الدَّنانير، فأوقع المفرد موقعَ الجمع، كقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} [النور:31]، ثم حُذِفَتِ اللامُ من الخط لصيرورتها بالإدغام دالاً، فَكُتِبَ على اللفظ كما كُتِبَ في {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ} [الأنعام:32] في الأنعام على صورة (ولَدَارُ الآخرة).
          الوجه الثالث: أن يكون (الألفُ) مضافاً إلى (دينار)، والألف واللام زائدتان، فلذلك لم يمنعا من الإضافة، ذكر جوازَ هذا الوجه أبو عليٍّ الفارسيُّ، وحَمَلَ عليه قولَ الشاعر:
تُوْلي الضَّجيعَ إذا تَنَبَّهَ مُوهِناً                     كالأُقحُوانِ من الرَّشَاشِ المُسْتَقَى/
          قال أبو علي: أرادَ مِنْ رشاش المستقَى، فزاد الألف واللام، ولم يمنعا من الإضافة.
          ولقوله: (فقرأ العَشْرَ آياتِ) من هذا الوجه الثالث نصيبٌ، أعني كونَ الألف واللام زائدتين غيرَ مانعتين من الإضافة. /


[1] هو مرفوع إلى رسول الله صلعم باتفاق نسخ البخاري، ولفظه فيه: «... ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ...».
[2] من كلام ابن عباس ☺، ولفظه: «...فجلس، فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آيات».
[3] قوله: «ثم حذف البدل.... ومن حذف» ليس في (ج).
[4] لفظة: «جاء» زيادة من (ب) و(ج).