شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

توجيه الحديث: لا يبولن أحدكم في الماء... ثم يغتسل فيه

          ░56▒
          ومنها قولُ النبيِّ صلعم(1) : «لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم الذي لَا يَجْري ثم يَغْتَسِلْ َُ فيه». [خ¦239]
          وقولُه: «قد كان مَنْ قبلَكم لَيُمْشَطَنَّ(2) بِمِشَاطِ(3) الحديد». [خ¦3852]
          وقولُه: «لَيَرِدُ عليَّ أقوامٌ أَعْرِفُهم ويعرفُوني». [خ¦7050]
          وقولُه صلعم: «والذي نفسي بيده وَدِدْتُ أَنِّي(4) أُقاتِلُ في سبيل اللهِ فأُقْتَلُ، ثم أُحْيا ثم أُقتَلُ، ثم أُحيا ثم أُقتَلُ». [خ¦7227]
          وقولُ ابنِ مَسعودٍ ☺: (والذي لا إلهَ غيرُه هذا مقامُ الذي أُنزِلَت(5) عليه سُورةُ البقرةِ صلعم). [خ¦1747]
          وقولُ أبي بكر ☺: (يا رسولَ اللهِ، واللهِ أَنَا/ كنتُ أظلمَ مِنهُ)، وفي هذا الحديث: «فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!». [خ¦3661]
          وقولُ أبي بكر ☺: (لَاهَاءَ(6) اللهِ إذًا! لا(7) نَعْمِدُ إلى أَسَدٍ من أُسْدِ اللهِ / يُقاتل عن اللهِ ورسوله فَنُعْطيَكَ(8) سَلَبَه). [خ¦4321]
          وقولُه: (كلَّا، واللَّهِ(9) لا نُعْطِيه أُضَيْبِعَ مِنْ قُريشٍ ونَدعُ(10) أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ). [خ¦4322]
          وقولُ سَعيد بن زَيدٍ ☺: (أشهدُ لَسَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلعم يقول: «مَنْ أَخَذَ شِبْراً من الأَرضِ ظُلْمًا»). [خ¦3198]
          وقولُ الأَشْعَثِ بن قَيسٍ ☺: (لَفِيَّ واللهِ نَزَلَت) [خ¦2516]؛ يعني: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}[آل عمران:77].
          قلتُ: يَجُوزُ في «ثُم يغتسل» الجزمُ عَطفًا على «يَبُولنَّ(11)»؛ لأنَّه مجزومُ الموضعِ بـ: (لا) التي للنَّهي، ولكنَّه بُنِيَ على الفتح لتوكيدِه بالنون. /
          ويجوز فيه الرفعُ على تقدير: ثم هو يَغْتَسلُ فيه.
          ويجوز فيه النصبُ على إضمارِ (أَنْ) وإِعطاءِ (ثُمَّ) حُكمَ/ واوِ الجَمْعِ.
          ونظيرُ «ثمَّ يَغتَسِلْ َُ(12)» في جواز الأوجه الثلاثة قولُه تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء:100]؛ فإنه قُرئ بجزم (يُدرِكْهُ) ورفعِه ونصبِه، والجزمُ هو المشهورُ والذي قَرَأَ به السبعةُ، وأمَّا الرفعُ والنصبُ فشاذَّان.
          وفي «لَيُمْشَطَنَّ» شاهدٌ على وُقوعِ الجُملة القَسَميةِ خَبراً؛ لأنَّ التقديرَ: قد كان مَنْ قبلَكم واللهِ لَيُمْشَطَنَّ. وهذا في خَبر (كان) غريبٌ، وإنما يَكثُر في خَبرِ المبتدأ، كقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ...} [النحل:41]، وكقولِ النبيِّ صلعم: «وقيصرُ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لا يَكونُ قَيصَرُ(13)». [خ¦3027]
          وفي هذا حُجَّةٌ على الفَرَّاءِ في مَنْعِه أَنْ يُقالَ: زيدٌ لَيَفْعَلَنَّ(14).
          وفي «لَيَرِد عليَّ أقوامٌ» شاهد على وُقوع المضارع المثبَت المستقبَل / جوابَ قسمٍ غيرَ مؤكَّدٍ/ بالنون، وفيه غرابةٌ، وهو ممَّا زعم أكثرُ النحويين أنَّه لا يجوز إلَّا في الشعر، كقول الشاعر:
لَعَمري لَيُجْزَى(15) الفاعلونَ بفِعْلِهِم                     فإيَّاكَ أَنْ تُعْنَى بغَيرِ جَميلِ
          والصحيح أنه كثيرٌ في الشعر قليلٌ في النثر، فلو كان المضارعُ المثبَتُ حالاً لم يجز توكيدُهُ بالنون، كقول الشاعر:
يميناً لَأُبْغِضُ كُلَّ اْمِرئٍ                     يُزَخْرِفُ قولاً ولَا يَفْعَلُ
          ومثله:
وعَيْشِكِ يا سَلْمَى لَأُوقِنُ أَنَّني                     لِماَ شِئْتِ مُسْتَحْلٍ ولو أنَّه القَتْلُ
          وفي قوله: «والذي نفسي بيده وَدِدْتُ» شاهدٌ على وُقُوع الفعل الماضي جوابَ قسمٍ عاريًا من (قد) واللام دون استطالةٍ، وفيه غرابةٌ؛ لأنَّ ذلك لا يكاد يوجَدُ إلَّا في ضرورةٍ أو كلامٍ مُستطالٍ.
          فمن الوارد في ضرورةٍ/ قولُ(16) الشاعر:
تَاللهِ هانَ على السَّالين مَا دُهِيَتْ                     به نُفوسٌ أَبَتْ إلَّا الهوى دِينا /
          ومن الوارد في كلامٍ مُستطالٍ قولُ اللهِ(17) تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ. وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ. قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}[البروج:1-4].
          وفي (هذا مقامُ) و(أنا كنتُ أظلمَ منه)، شاهدان على جواز تَلَقِّي القسم بمبتدأٍ غيرِ مقرونٍ باللام دُون استطالةٍ، وهو نادرٌ، فلو(18) وُجِدَتِ استطالةٌ لم يُعَدَّ نَادِرًا، كقول الشاعر:
ورَبِّ السماوات العُلَى وبُروجِها                     والاّْرضِ وما فيها المُقَدَّرُ كائنُ
          وفي «تاركو لي صاحبي» شاهدٌ على جواز الفصل دونَ ضَرورةٍ بجارٍّ ومَجرورٍ بين المضاف والمضاف إليه إنْ كان الجارُّ متعلِّقًا بالمضاف، والفصلُ بالظَّرْفِ كذلك، ومنه قولُ الشاعر:/
فَرِشْنِي بخيرٍ لَا أكْونَنْ ومِدْحَتي                     كَنَاحِتِ يوماً صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ /
          العَسيلُ: مكنسة الطِّيب(19).
          وفي (لاهَا(20) اللهِ) شاهدٌ على جواز الاستغناء عن واو(21) القسم بحرف التنبيه، ولا يكون هذا الاستغناء إلَّا مع (الله).
          وفي اللفظ بـ: (ها اللهِ) أربعة أوجه:
          أحدها: أن يقالَ: (هَاللهِ) بـهاءٍ تليها(22) اللام.
          والثاني: أن يقال: (هَا اللهِ) بألفٍ ثانيةٍ(23) قبل اللام، وهو شبيهٌ بقولهم: (التَقَتْ حَلْقتَا الْبِطَانِ)، بألف ثانيةٍ(24) بين التاء واللام.
          والثالث: أن يُجْمَعَ بين ثبوتِ الألفِ وقطعِ همزة(25) (الَّلهِ).
          والرابع: أن تُحذفَ الألف وتقطع همزة (اللهِ)(26). /
          والمعروف في كلام العرب (ها اللهِ ذَا)، وقد وقع في هذا الحديث (إذًا) وليس(27) ببعيد.
          و(أُضَيْبِع) بضاد معجمة وعين مهملة(28) : تصغيرُ (أَضْبَعَ) وهو القصيُر الضَّبْعِ؛ أي: العضد، ويُكنَى به عن الضَّعْفِ، وإذا قُصِدَتِ/ المبالغة صُغِّرَ.
          والعرب تُقْسم بفعل الشهادة، فتجعلُ له جوابًا كجوابِ القسم الصَّريح، ومنه قوله تعالى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ (29)}[المنافقون:1]، ثم قال: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون:2]، فسَمَّى ذلك القولَ يَمينًا.
          ومثلُه قولُ سَعيدِ بن زَيدٍ ☺: (أَشهَدُ لَسَمِعْتُ(30) ) فَأَجْرَى (أشهدُ) مُجْرَى (أحلفُ)، وجعلَ جوابَه فعلًا ماضيًا مَقرونًا باللام دونَ (قد)، ومن النحويين مَنْ يزعم أنَّ هذا(31) الاستعمالَ مخصوصٌ بالشعر، ويستشهد بقول امرئ القيس:
حَلَفْتُ لها باللهِ حِــلْفَةَ فاجِرٍ                     لَنَامُوا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ /
          والصحيحُ جوازُ استعمالهِ في أفصحِ الكلام.
          ونظيرُ استعمالِه في هذا الحديث قولُ اللهِ تعالى(32) : {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}[الروم:51].
          ونظيرُه قولُه(33) أيضًا: (فو اللهِ لَنَزَلَ رسولُ اللهِ صلعم إلى الصُّبْحِ/ فأَنَاخَ)، ذَكَره أبو الفَرَج في (الجامع).
          وفي قول الأشعث ☺: (لَفِيَّ وَاللهِ نَزَلَت(34) ) شاهدٌ على توسُّط القَسَم بين جُزْأَي الجواب، وعلى أنَّ اللامَ يجبُ وَصْلُها بمعمولِ الفعلِ الجوابيِّ المُقدَّم(35)، وخُلُوُّ الفعل منها ومن قَبُول (قد) إنْ كان ماضيًا.
          كما يجبُ خُلُوُّ المضارع منها ومن قبُول نون التوكيد(36) إذا قُدِّمَ معمولُه، كقوله تعالى: {وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ}[آل عمران:158]. /


[1] في (ب): (قوله صلعم)، وفي (ظ): (قولُ رسولِ الله صلعم).
[2] لفظُ الحديث في صحيح البخاري: «لَيُمْشَطُ»، وأشار إليها بهامش (ظ).
[3] بهامش (ظ): (في نسخة: بأمشاط).
[4] في (ظ): (أن) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[5] في (ج): (أُنزل).
[6] في (ب) و(ظ): (ها) بلا همزٍ، وهو موافقٌ لما في اليونينية، والمثبَت من الأصل و(ج) موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[7] لفظة: (لا) ليست في (ج)، وهو موافقٌ للفظ الحديث في صحيح البخاريِّ برقم: ░3142▒، وهي ثابتةٌ فيه في رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، كما في اليونينية.
[8] في (ب) و(ظ): (لا يَعمِد... فيُعطيَك)، وهو موافقٌ لما في اليونينية في كلِّ مواضع ورود الحديث في صحيح البخاريِّ ░3142، 4321▒، والمثبَت من الأصل و(ج): (لانَعمِدُ... فنُعطيَكَ) بنون الجمع، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[9] قوله: (والله) ليس في صحيح البخاري
[10] تصحَّفت في (ج) إلى: (ونَضَع)، ولفظ الحديث هكذا باتفاق الأصول عدا (ظ) ففيها: (لا تُعطِه... وتَدَع) بالتاء، والذي في اليونينية: (لا يُعطِهِ... ويَدَع) بياء الغائب وبالجزم في كلِّ مواضع ورود الحديث في صحيح البخاريِّ ░4322، 7170▒.
[11] في (ظ): (لا يبولنَّ) بإثبات العامل.
[12] ضُبط في اليونينية بالجَزم والرفع معًا.
[13] في (ظ): (في نسخةٍ زيادة: بعده).
[14] بهامش الأصل حاشية بخطٍّ متأخِّر: (حكاه في التسهيل عن ثعلب) ا هـ
[15] في (ب): (ليُخْزَى) بالخاء بدل الجيم.
[16] في (ظ): (في ضرورة الشِّعر كقول).
[17] في الأصل: (قولُه)، والمثبت من سائر الأصول موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[18] في الأصل: (ولو)، والمثبت من سائر الأصول موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[19] هذا التفسير في الأصل و(ظ) فقط، وهو مكتوبٌ بهامش (ب) تعليقًا لا أصلاً، وكذلك في النسخة القادرية، ولم يُذكَر في (ج)، وبهامش الأصل بخطٍّ متأخِّر: (العَسيل: مكنسة العَطَّار التي يَجمَع بها الطيب) ا ه.
[20] في الأصل: (هاءَ) مهموزًا.
[21] في (ج): (الاستغناء بواو)، وهو خطأ مخلٌّ بالمقصود.
[22] في (ج): (يليها) بالياء، وتصحَّفت اللام فيها إلى: (السلام).
[23] في (ج) و(ظ): (ثابتة)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية، وكلاهما صواب.
[24] في (ج) و(ظ): (ثابتة)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية، وكلاهما صواب.
[25] في (ب): (الهمزة)، خطأ.
[26] في (ظ): (همزة الجلالة) في الموضعين.
[27] في (ج): (وليست).
[28] العبارة في (ج): (بالضاد المعجمة غير المهملة)، وفيها تصحيف بيِّن.
[29] في (ظ) زيادة: ({وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}).
[30] في (ظ) زيادة: (رسولَ الله صلعم).
[31] لفظة: (هذا) ليست في (ب).
[32] في (ب) و(ج) و(ظ): (قولُه تعالى).
[33] لفظة: (قوله) ليست في (ب) و(ج).
[34] الذي في صحيح البخاريِّ: (أُنزِلَت)، وهو المثبَت في (ظ)، ولا يؤثِّرُ على موطن الشاهد.
[35] في (ظ) زيادة: (ذِكْرُه).
[36] بهامش (ظ): (في نسخة: التأكيد).