شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

توجيه لفظ «ثماني» بلا تنوين

          ░10▒
          ومنها قولُ أبي برزةَ ☺: «غزوتُ مع رسول اللهِ صلعم سَبْعَ غزواتٍ أَوْ ثمانيَ». [خ¦1211]
          قال: الأجود أن يُقالَ: سبعَ غزواتٍ أو ثمانياً/ بالتنوين؛ لأنَّ لفظ (ثمانٍ) وإن كان كلفظ (جوارٍ) في أنَّ ثالثَ حروفه ألفٌ بعدها حرفان ثانيهما ياءٌ، فهو يخالفُهُ في أَنَّ (جواريَ) جمع، و(ثمانياً) ليس بجمع. واللفظ بهما في الرفع والجر(1) سواءٌ، ولكنَّ تنوينَ (ثمانٍ) تنوينُ صَرْفٍ كتنوين (يمانٍ)، وتنوين (جَوَارٍ) تنوينُ عوضٍ، كتنوين (أُعَيْمٍ).
          وإنما يفترقُ لفظُ (ثمانٍ) ولفظ (جوارٍ) في النصب، فإنك تقول: رأيتُ جواريَ ثمانياً. فتترك تنوين (جوارٍ)؛ لأنَّه غيرُ مُنصرفٍ _وقد استغنى عن تنوين العوض بِتَكَمُّلِ لفظه_ وتُنَوِّنُ (ثمانياً)؛ لأنَّه مُنْصَرَفٌ لانتفاء الجمعيَّة.
          ومع هذا ففي قوله: (أو ثمانيَ) بلا تنوينٍ ثلاثةُ أوجهٍ:
          أحدُها _وهو أجودُها_ : أن يكونَ أراد: أو ثمانيَ غزواتٍ، ثم حذَف المضافَ إليه وأبقى المضافَ على ما كان عليه قبل الحذف، وحَسَّنَ الحذفَ / دِلالَةُ ما تقدم من/ مثل المحذوف، ومثلُه قولُ الشاعر:
خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ سِتُّ عُوِّضْتُ                     منها مِئةً غيرَ أَبكُرٍ وإفالِ
          وهذا من باب(2) الاستدلال بالمتقدِّم على المتأخِّر، وهو في غير الإضافة كثيرٌ، كقوله تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}[الأحزاب:35]. والأصل: والحافظاتِ فروجَهُنَّ، والذاكراتِ اللهَ كثيراً.
          الوجه الثاني: أن تكونَ الإضافةُ غيرَ مقصودةٍ، وتُرِكَ تنوينُ (ثمانٍ) لمشابهته (جَواريَ) لفظاً ومعنًى.
          أمَّا اللفظ فظاهرٌ.
          وأما المعنى؛ فلأنَّ (ثمانياً) وإن لم يكن له واحدٌ من لفظه، فإنَّ مدلولَه جمعٌ. وقد اعْتُبر مُجَرَّدُ الشَّبهِ اللَّفظيِّ في (سراويلَ) فأُجْرِي مُجرى (سَرَابيلَ) فلا يُسْتَبْعَدُ إجراءُ (ثمانٍ) مُجرى (جوارٍ)، ومن إجرائه مُجراهُ قولُ الشاعر:/
يَحْدُو ثَمانيَ(3) مُولعاً بِلقاحِها /
          الوجه الثالث: أن يكونَ في اللفظ (ثمانياً) بالنصب والتنوين، إلَّا أنه كُتِبَ على اللغة الرَّبَعِيَّة، فإنَّهم يقفون على المنون المنصوب بالسكون، فلا يحتاج الكاتبُ على لغتهم إلى ألفٍ؛ لأنَّ مَنْ أثبتها في الكتابة لم يُراع إلَّا جانب الوقف، فإذا كان يحذفها في الوقف كما يحذفها في الوصل لزمَه أنْ يحذفَها خَطًّا. وقد تقدم الكلام على هذا بأكمل بيان.
          ومن المكتوب على لغة ربيعة: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ» [خ¦2408]، أي: ومَنْعاً وهاتِ. فحُذِفَ الألفُ كما ذكرتُ لك(4).
          وحذفُها هنا بسببٍ آخَرَ لايختصُّ بلغةٍ، وهو أنَّ تنوينَ (مَنْعاً) أُبدلَ واواً وأُدْغِمَ في الواو، فصار اللفظ بعينٍ تليها واوٌ مٌشَدَّدَةٌ؛ كاللفظ بـ: (عَوَّلَ)(5) وشِبْههِ، فَجُعِلَتْ/ صورتُه في الخط مطابقةً للفظه، كما فُعِلَ بِكَلِمٍ كثيرةٍ في المصحف.
          ويمكن أن يكونَ الأصلُ: ومَنْعَ حَقٍّ وهاتِ، فحُذِفَ المضافُ إليه وبقيت هيئةُ الإضافة. /


[1] في (ج): في الجر والرفع.
[2] لفظة «باب»: ليست في (ب).
[3] في (ب): (ثماناً) تحريف.
[4] في (ج): ذلك.
[5] في (ج): (يقول) تحريف.