شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

حق الفعل إذا دخلت عليه «إن» الشرطية

          ░59▒
          ومنها قولُ أُمِّ حارِثَةَ ♦ لرسولِ اللهِ صلعم: (فإنْ يَكُ في الجنة أَصْبِرْ وأَحْتَسِبْ، وإِنْ تَكُنِ(1) الأُخْرَى تَرَىَ ما أَصْنَعُ). [خ¦6550]
          وقولُ النبيِّ صلعم: «فإمَّا لا؛ فَلَا(2) تَبَايَعُوا حتَّى يَبدُوَ صَلاحُ الثَّمَرِ». [خ¦2193]
          قلتُ: حَقُّ الفعل _إذا دخلت عليه (إنْ) وكان ماضِيًا بالوضع أو بمقارنة (لم)_ أَنْ ينصرفَ إلى الاستقبال، نحو: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ} [الإسراء:7]، و {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ (3)}[البقرة:279].
          وإن كان قبل دخول (إنْ) صالحًا للحال والاستقبال يخلُصُ له(4) بدخولها، نحو: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء:31].
          وقد يُرادُ المُضِيُّ بما دخلت عليه (إنْ) فلا يتأثَّرُ بها، ويستوي في ذلك الماضي بالوَضْع، نحو: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف:26]، والمضارعُ، نحو: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}[يوسف:77].
          ومنه: (فإنْ يَكُ في الجَنَّةِ أَصْبِرْ وأَحْتَسِبْ)، والأصل: (يكون)، ثمَّ جزم / فصار (يكنْ)، ثم حُذِفَتْ نُونُه لكثرة الاستعمال، فصار (يَكُ).
          وهذا الحذفُ جائزٌ لا واجبٌ، ولذلك جاء الوجهان في كتاب الله تعالى، نحو: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]، ونحو(5) : {وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}[مريم:14].
          فلو وَلِي الكافَ ساكنٌ عادتِ النونُ، نحو: {لَّمْ يَكُنِ اللّهُ}[النساء:137].
          وَلِوُجُوبِ عَوْدِ النون قبل الساكن(6) لم يَجئْ الفِعلان في الحديث المذكور بالحذف، بل حُذِفَتْ نونُ الأَوَّل لعَدَم ساكنٍ بعدَه، وثَبَتَتْ نون الثاني بعدَه لإيلائِه ساكنًا.
          ولا يُسْتَصْحَبُ الحذفُ قبل ساكنٍ إلَّا في ضرورةٍ، كقول الشاعر:/
فَإنْ لَم تَكُ المِرآةُ أَبْدَتْ وَسَامَةً                     فَقَدْ أَبْدَتِ المِرآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِ
          و(تَرَى) من قول أُمِّ حارثة: (وإنْ تكن الأخرى تَرَى ما أصنعُ) مضارع (راءَ) بمعنى: (رَأَى)، والكلام عليه كالكلام على قول(7) أبي جَهْلٍ لعنه الله: (متىَ يَرَاكَ الناسُ) . [خ¦3950]
          وكما يجوز رفعُ (يَرَاك) لإهمال (متى) وشَبَهِها(8) بـ: (إذا)، كذلك يجوز هنا / رفعُ (تَرَى)؛ لأنه جوابٌ، والجوابُ قد يُرْفَعُ(9) وإنْ كان الشَّرطُ مجزومَ اللفظ، كقراءة طَلْحَةَ بنِ سُلَيمانَ: ▬أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ↨، وكقولِ الراجز:
يا أَقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يا أَقْرَعُ                     إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ(10) تُصْرَعُ (11)
          وفي «فإمَّا لا؛ فلا تبايعوا» شاهدٌ على أنَّ حرفَ الشرط قد يُحْذَفُ بعدَه / _مقروناً بـ: (ما)_ (كان) واسمُها وخبرُها المنفيُّ بـ: (لا) نافِيةً(12)، فإنَّ الأصلَ: فإنْ كنتم لا تفعلون(13) فلا تَبَايَعُوا.
          ومثلُه في (جامع المسانيد) قولُ النبيِّ صلعم/ للقائل: (حاجَتِي أَنْ تَشْفعَ لي يومَ القِيامةِ): «إمَّا لَا؛ فأعِنِّي(14) بكَثرةِ السُّجودِ»؛ أي: إنْ كنتَ لا بُدَّ لك مِنْ ذلك فأعِنِّي.
          ومن ذلك قولُ الراجز:
أَمْرَعَتِ الأرضُ لو اّْنَّ مَالَا
لو اّْنَّ نُوقًا لكِ أو جِمَالَا
أَوْ ثَلَّةً(15) مِنْ غَنَمٍ إمَّا لَا
          أي: إنْ كنتِ لا تَملِكين إِبِلًا. /


[1] في الأصل: (تك)، وهو خطأ كما هو بيِّنٌ من كلام المؤلف الآتي قريبًا، والمثبَت موافقٌ لما في اليونينية.
[2] لفظة: (فلا) ليست في (ج)، وهو مخلٌّ بالمعنى.
[3] في (ظ) زيادة: ({بحربٍ}).
[4] بهامش (ظ) حاشية: (المُرادُ هنا الاستقبالُ) ا ه.
[5] لفظة: (نحو) ليست في (ج).
[6] في الأصل: (ساكنٍ) منكَّرًا.
[7] لفظة: (قول) ليست في (ج)، وللمُشار إليه انظر ما تقدَّم من كلام المؤلِّف في المبحث ░3▒.
[8] في (ب) و(ج) و(ظ): (وتَشبيهها)، وفي النسخة القادرية: (تشبيهًا).
[9] في (ج): (رُفع).
[10] في (ج): (إنْ تَصْرَعْ أَخاكَ)
[11] بهامش (ظ) حاشية: (رَفعُ العين من قوله: (تصرعُ) موافقٌ لما جاء في الحديث المذكور، وكان قياسُه الجزم، ولكنَّه ضعيفٌ، وقد أشار إليه ابنُ مالِكٍ في «خلاصته» بقوله: ~ورَفْعُهُ بعدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ
[12] في (ج): (باقية).
[13] في (ج): (تفعلوا)، خطأ.
[14] في (ظ) زيادة: (على نَفسِكَ).
[15] بهامش الأصل بخطٍّ متأخِّر: (حاشية: الثَّلَّة بالفتح: القَطيع من الغَنم، والثُّلَّة بالضمِّ: الشيء القليل). ا ه.