شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

توجيه حديث: هذا استنقذها مني

          ░70▒
          ومنها قولُ النبي صلعم: «فقال الذِّئبُ: هذا اسْتَنْقَذْتَها/ مِنِّي، فمَن لها يومَ السَّبْعِ(1)، يومَ لا راعيَ لها غَيري؟!». [خ¦3471]
          وقولُ عُمرَ ☺: (وا عَجَبَا لكَ يا ابْنَ عَبَّاسٍ!). [خ¦5191]
          وقولُ حُذَيفةَ ☺(2) لِمَن لم يُتمَّ الرُّكُوعَ والسجودَ: (ولو(3) مُتَّ مُتَّ على غير الفِطْرةِ التي فَطَرَ اللهُ محمداً صلعم). [خ¦791]
          قلتُ: يجوز في (هذا) من قوله: «هذا استَنْقَذْتَها(4)» ثلاثةُ أَوجُهٍ:
          أحدُها: أن يكونَ منادًى مَحذوفًا منه حَرفُ النِّداء، وهو ممَّا منَعه البصريُّون، وأَجَازه(5) الكوفيون، وإجازتهُ أَصَحُّ؛ لِثُبُوتِها في الكلام / الفصيح، كقول ذي الرُّمَّةِ:
إذا هَمَلَتْ عَينِي لها(6) قال صَاحِبي                     بمِثلِكَ(7) هذا لَوْعَةٌ وغَرَامُ
          ومثلُه قولُ الآخر:
ذَا ارْعِوَاءً(8) فليسَ بعدَ اشْتِعالِ الرَّ                     أْسٍ شيْبًا إلى الصِّبَا مِنْ سَبيلِ
          وكقولِ(9) بعضِ الطائِيِّين:/
إنَّ الأُلَى وَصَفُوا قَومي لهُمُ فَبِهِمْ                     هَذا(10) اعْتَصِمْ تَلْقَ مَنْ عادَاكَ مَخذُولا (11)
          ومثلُه قولُ الآخَر(12) : /
نَوِّلي قبلَ نَأْيِ(13) دَارِي جُمَانَا                     وَصِلِيني كمَا زَعَمْتِ تَا الاّْنَا (14)
          أَراد: (وصِلِيني الآنَ يَا تَا)؛ أَيْ: يا هذه.
          والثاني(15) : أَنْ يكونَ (هذا) في موضعِ نَصْبٍ على الظرفيَّة، مُشَارًا به إلى اليومِ، والأصلُ: هذا اليومَ استَنقذتَها مِنِّي.
          والثالث: أَنْ تَكونَ(16) في موضع نَصْبٍ على المصدريَّة، والأصلُ: هذا الاستنقاذَ استنقذتَها مِنِّي.
          والأصلُ _في قولِه: «يومَ السَّبْع»_: يومَ السَّبُع، بضم الباء، فسَكَّنها على لُغة بَني تَميمٍ، فإنَّهم يُسَكِّنون العينَ المضمومةَ من الأسماء والأفعال، وكذا يَفعَلون بالعَين المكسورةِ، فيَقُولون في (نَمِرٍ(17) ) و(إِبِلٍ): نَمْرٌ وإِبْلٌ. /
          و(وا) في قوله: (وا عَجَبَا لكَ) إذا نُوِّنَ اسْمُ فِعْلٍ بمعنى: أَعْجَبُ(18)، ومِثلُه: (واهًا)، و(وَيْ(19) )/ وجِيء بعدَه بـ: (عَجَبَا) توكيدًا.
          وإذا لم يُنَوَّن، فالأصلُ فيه: وَا عَجَبِي، فأُبدِلَتِ(20) الكسرةُ فتحةً والياءُ أَلِفًا، كمَا فُعِلَ في {يَا أَسَفَى} [يوسف:84]، {يَا حَسْرَتَى}[الزمر:56].
          وفيه شاهدٌ على استعمال (وا) في منادًى غَيرِ مَندوبٍ كمَا يَرَى المُبَرَِّدُ، ورَأيُه في هذا صحيحٌ.
          وفي قولِ حُذَيفةَ ☺: (ولو مُتَّ مُتَّ) شاهدٌ على وُقُوعِ الجوابِ مُوافِقًا للشَّرْطِ لَفظًا ومعنًى؛ لتَعَلُّق ما بعدَه به، وهو أَحَدُ المواضِعِ التي يَعرِضُ فيها للفَضْلَةِ تَوَقُّفُ(21) الفائِدةِ عليها؛ فيَكونُ لها بذلك من لُزُومِ الذِّكْرِ ما لِلْعُمدَةِ، ومنه قولُه تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ} [الإسراء:7]، فلَولا (عَلى غَير الفِطْرَة) و {لِأَنفُسِكُمْ} لم يَكُن للكلام فائدةٌ.
          وفيه أيضًا شاهدٌ على إِخلاءِ جَوابِ (لو) المثبَت من اللام، وهو مِمَّا يَخْفَى على أَكثرِ النَّاسِ(22) مع أَنَّه في مواضعَ من كتاب الله تعالى، نحو: / / {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ (23)}[الأعراف:155] و {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ}[الأعراف:100] و {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللهُ أَطْعَمَهُ}[يس:47].
          وفي قولِه: (على غَيرِ الفِطْرة التي فَطَرَ اللَّهُ محمداً صلعم) وَجهان:
          أحدُهما: أَنْ يَكونَ الأَصلُ: على غَير الفِطْرة التي فَطَرَها(24)، والضَّميرُ ضَميرُ الفِطْرةِ، ومنصوبٌ نَصْبَ المصدرِ، ثُمَّ حُذِفَ لكونِه متَّصلًا منصوبًا بفِعْلٍ، كمَا تقولُ: عَرَفتُ العَطيَّةَ التي أَعْطَيتَها زَيدًا، والمَلَامَةَ التي لُمتَها عَمْرًا، ثمَّ تَحِذفُ فتَقولُ: عَرَفتُ العطيَّةَ التي أَعْطَيتَ زيدًا، والمَلَامةَ التي لُمتَ عَمرًا.
          والثاني: أَنْ يكونَ الأصلُ: على غَير الفِطْرة التي فَطَرَ اللهُ عليها، ثم حُذِفَتْ (على) والمجرورُ بها؛ لتقدُّم مِثْلِها قَبلَ الموصولِ.
          وفيه ضَعْفٌ؛ لعَدَم مُبَاشَرَتِها إيَّاه، وعَدَمِ تعلُّقِها بمِثْل ما تَعلَّقت(25) به في الصِّلَة، فلو بَاشَرَتْها وتعلَّقَتْ بمِثْل ما/ تعلَّقتْ به في الصِّلَة؛ زَالَ الضَّعْفُ، كقولكَ: سَلَّمتُ على الذي سَلَّم زيدٌ(26).
          ومِثلُ هذا في عَدَمِ الضَّعْفِ قولُه تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}[المؤمنون:33]؛ فإنَّ(27) الجارَّ الذي قَبلَ (ما) مِثلُ(28) الذي بعدَها، ومُباشِرٌ لها، ومتعلِّقٌ بمِثْلِ ما تَعلَّقَ به في الصِّلَة. /


[1] ضُبطت في الأصل و(ج) و(ظ) بضمِّ الباء، وهو وإن كان موافقًا للمثبَت في اليونينية لا غير في كلِّ مواضع ورود الحديث في صحيح البخاريِّ ░2324، 3471، 3663، 3690▒، إلَّا أنَّه مخلٌّ بقضيَّة إيراد المؤلِّف لهذه اللفظة، والاختلافُ في ضبطها قديمٌ، انظر شرح مسلم للنووي: 15/ 156، وفتح الباري: 7/ 27، وعمدة القاري: 12/ 160.
[2] كلام حذيفة ☺ مع تعليق المؤلِّف عليه مكَرَّرٌ في (ظ) مع أحاديث المبحث ░64▒ المتقدِّم.
[3] في الأصل: (لو).
[4] في (ظ) زيادة: (مِنِّي).
[5] في (ج): (واختاره).
[6] في (ب): (له) وكتب المثبَت فوقَها.
[7] في (ب): (بنفسك) وكتب المثبَت فوقَها.
[8] في (ب): (ارعَوِي).
[9] في (ظ) زيادة: (الآخر).
[10] بهامش (ظ) حاشية: (أي: يا هذا) ا ه.
[11] من قوله: (وكقول بعض...) إلى: (مخذولا) مؤخَّرٌ في (ج) إلى ما بعدَ قوله: (أي: يا هذه) الآتي.
[12] قوله: (قول الآخر) ليس في (ب).
[13] تصحَّفت في (ب) إلى: (تأتي).
[14] في (ب) و(ج): (تَلانا) موافقًا لمنطوقها، وانظر الصِّحاح (تلن)، وبهامش (ج): (في نسخة: إيانا) وهو مخلٌّ بموطن الاستشهاد، وقد تصحَّف البيت في (ظ) إلى:
~تُولي قَتلي بأي داري حما                     ما وصليني كما زعمت ثلاثا
وكتب بهامشها عند لفظة (ثلاثا): (حاشية: أي يا هذا)!.
[15] في (ب) و(ج): (الثاني)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية، وفي (ظ): (النوع الثاني).
[16] في (ج) و(ظ): (يكون) بالياء، وفي (ب) و(ج) زيادة: (هذا)، وإسقاطها كما في الأصل و(ظ) موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[17] تصحَّفت في (ب) إلى: (تَمر) بالتاء في الموضعَين، وفي (ج) إلى: (نمرة).
[18] ضُبطت في الأصل: (اعْجَبْ) على صيغة فعل الأمر، وهو خطأٌ محضٌ؛ انظر شرح الكافية الشافية للمؤلِّف: 3/ 1385.
[19] تصحَّفت في (ج) إلى: (وا).
[20] في الأصل: (وأُبدِلت).
[21] في الأصل: (لتوقُّفِ).
[22] العبارة في هذا الموضع في (ظ): (وهو ممَّا خَفِيَ على أكثر النحويين)، وهي في الموضع السابق المشار إليه في أول الفصل والذي تكرَّر فيه إبراد التعليق على حديث حُذَيفةَ ☺: (على كثير من الناس).
[23] قوله: ({وإيَّاي}) ليس في (ب) و(ج).
[24] في (ظ) زيادة: (اللهُ).
[25] في (ج): (تعلَّق).
[26] كتب في (ب) فوق لفظة (زيد): (عليَّ).
[27] تصحَّفت في (ج) إلى: (وإن).
[28] في (ظ) زيادة: (الجارِّ).