شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

دخول الفاء على خبر المبتدأ

          ░62▒
          ومنها قولُ المَلَكَين ♂ للنبيِّ صلعم: «الذي رأيتَه يُشَقُّ رَأْسُه(1) فكَذَّابٌ». [خ¦1386]
           [قلتُ: في قولهما: «الذي رأيتَه يُشَقُّ رأسُه فكَذَّابٌ»](2) شاهدٌ على أنَّ الحكمَ قد يُستَحقُّ بجزْءِ العِلَّةِ؛ وذلك أنَّ المبتدَأَ لا يجوز دُخولُ الفاء على خبره إلَّا إذا كان شبيهًا بـ: (مَنْ) الشرطية أو (ما) أُختِها، في العموم واستقبالِ ما يَتِمُّ به المعنى، نحو: الذي يأتيني فَمُكْرَمٌ، إذا لم تَقصِد(3) آتِيًا(4) مُعَيَّنًا.
          فـ: (الذي) على هذا التقدير/ بمنزلة (مَن) في العُمُومِ واستقبالِ ما بعدَها، فجاز أَنْ تَدخُلَ الفاءُ على خَبرها لشَبَهِهِ بجواب الشرط.
          فلو كان المقصودُ بـ: (الذي) مُعَيَّنًا زالت مُشَابَهةُ (مَنْ)، وامتَنَع دُخولُ الفاءِ على الخبر، كمَا يَمتَنِع دُخولُها على أَخبارِ المبتَدآتِ المقصودِ بها التعيينُ، نحو: زيدٌ مُكْرَمٌ، فلو قلتَ: زَيدٌ(5) فَمُكْرَمٌ، لم يَجُزْ.
          فكذا لا يَجوزُ (الذي يَأْتِيني فمُكْرَمٌ) إذا قَصَدتَ بـ: (الذي يَأْتيني) مُعَيَّنًا.
          لكنَّ (الذي يَأْتيني) عندَ قَصدِ التعيينِ شَبِيهٌ في اللفظ بـ: (الذي يَأْتيني) عندَ / قَصدِ العُمُوم، فيجوزُ دخولُ الفاءِ على خَبره حَمْلاً للشَّبيهِ على الشَّبيهِ، وإنْ لم تَكُن العِلَّةُ مَوجودةً فيه.
          ويدلُّ على أنَّ العربَ تَعتَبِر مِثلَ هذا بِناؤُها (رَقَاشِ(6) ) وشِبْهَهُ من أَعلام الإِناثِ المعدُولَة لِشَبَهِهَا بـ: (نَزَالِ) وشِبْهِهِ من أَسماء الأفعال(7).
          فإجراءُ(8) الموصولِ المعَيَّنِ مُجرَى الموصول العامِّ في إدخال الفاءِ على/ خَبره كإِجراءِ (رَقَاشِ) مُجرى (نَزَالِ) في البناء.
          فهذا سببُ إجازةِ دُخولِ الفاءِ في قولِه: «الذي رأيتَه يُشَقُّ رأسُه(9) فَكَذَّابٌ».
          ونظيرُه قولُه تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ}[آل عمران:166]، فإنَّ مدلولَ (ما) مُعَيَّنٌ، ومدلولَ (أصابكم(10) ) ماضٍ، إلَّا أنَّه رُوعيَ فيه الشَّبَهُ اللَّفظيُّ؛ فإنَّ لفظَ: {مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[آل عمران:166] كلفظِ: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:30] فأُجْرِيَا(11) في مصاحَبَة الفاء مُجرًى واحدًا. /


[1] كذا باتفاق الأصول، وصوابُه كما في صحيح البخاري: (شِدْقُهُ)، وأشار بهامش (ظ) إلى وروده في نسخةٍ.
[2] ما بين المعقَّفتين ليس في الأصل، وهو مستدرَكٌ بهامشها بخطٍّ متأخِّر.
[3] في (ج) و(ظ): (يَقصد) بالياء، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[4] في (ظ): (إنسانًا) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[5] لفظة: (زيدٌ) ليست في (ج).
[6] بهامش (ظ) حاشية: (مبنيٌّ على الكسر).
[7] تصحَّفت العبارة في (ج) إلى: (من الأسماء والأفعال).
[8] في (ج) و(ظ): (فأُجْرِيَ)، فما بعدها مرفوعٌ، وبهامش (ظ): (في نسخة: فأَجرَوا)، فما بعدها منصوبٌ.
[9] بهامش (ظ): (في نسخةٍ: شَدقُه)، وهو موافقٌ لما في صحيح البخاريِّ.
[10] في (ب): (ما أصابكم)، وهو تردُّد نظرٍ من الناسخ.
[11] في الأصل: (فأُجرِيَ ما)، وهو موافقٌ لِما في مطبوعة فتح الباري ░12/ 444▒ ومطبوعة عمدة القاري ░8/ 217▒ نقلاً عن المؤلِّف، والمثبَت من سائر الأصول موافقٌ لما في النسخة القادرية، وهو أليَق بالسِّياق.