شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

حذف همزة الاستفهام

          ░28▒
          ومنها أَنَّ الحسنَ أو الحسين ☻ أخذَ تمرةً من تمر الصَّدقةِ فجعلها في فِيْه، فنظر إليه رسولُ الله صلعم فأخرجَها مِن فِيْه وقال: «أَمَا علمتَ» [خ¦1485].
           وفي بعض النسخ: «مَا عَلِمْتَ».
          قال: لا إشكالَ في هذا الحديث إلَّا في رواية مَن روى: «مَا عَلِمْتَ».
          فإنَّ (أَمَا) هذه مركبةٌ من همزة الاستفهام، و(ما) النافية، وأفاد تركيبُها التقريرَ والتثبيتَ، فكأنَّ قائلَ: (أَمَا فعلتَ) قائلٌ: قد فعلتَ.
          وأكثر ما يُستعمل في هذا المعنى (ألم)، كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]، فيه معنى: شرحنا لك صدرَكَ، ولذلك عُطِفَ عليه (وضعنا) و(رفعنا).
          ومن روى: «مَا/ عَلِمْتَ» فأصله: أما علمت، وحُذِفت همزة الاستفهام؛ لأنَّ المعنى لا يستقيم إلَّا بتقديرها.
          وقدْ كثر حذفُ الهمزة إذا كان معنى ما حُذفت منه لا يستقيم إلَّا بتقديرها، كقوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ}[الشعراء:22].
          قال أبو الفتح وغيره: (أراد: أَوَ تلك نعمة). /
          ومن ذلك قراءة ابن مُحَيْصِن: ▬سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنذَرْتَهُمْ ↨ بهمزة واحدة.
          ومثله قراءة أبي جعفر: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [المنافقون:6] بهمزة وصل.
          ومِنْ حذف الهمزة لظهور المعنى قولُ الكُمَيتِ:
طَرِبْتُ وَمَا شوقاً إلى البيضِ أَطْرَبُ                     ولا لَعِبَاً مني وذُو الشَّيْبِ يلعبُ
          أراد: أَوَ ذُو الشيب يلعب؟!.
          ومثله قول الآخر:
فأصبحتُ فيهم آمِنًا لا كَمَعْشَرٍ                     أَتَوْنِي وقَالوُا مِنْ رَبيعةَ أَوْ(1) مُضَرْ
          أرادَ: أَمِنْ ربيعةَ أم مضر؟.
          ومن حذف الهمزة قبل (ما) النافية عند قصد التقرير ما أنشد البَطَلْيُوْسِي /
           من قول الشاعر:/
ما تَرى الدَّهرَ قد أَبَادَ مَعَدًّا                     وأبادَ القرونَ من قومِ عادِ
          ومن حذف الهمزة في الكلام الفصيح قوله صلعم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، عَيَّرته بأمِّه؟!». أراد: أعيرته؟!.
          ومنه قول النَّبي صلعم: «أتاني جبريلُ صلعم فبشَّرني أنه مَنْ ماتَ لا يُشركُ باللهِ شيئاً دخل الجنة. قلت: وإنْ سرق وإنْ زنى؟ قال: وإنْ سرق وإنْ زنى(2)» [خ¦7487].
          أراد رسول الله صلعم: أَوَ إنْ سَرَق وزنى؟!.
          ومنه حديث ابن عباس «أنَّ رجلاً قال: إنَّ أُمِّي ماتت وعليها صومُ شهرٍ فَأَقضِيهِ»، وفي بعض النسخ (أَفَأقضِيه؟). [خ¦1953] /


[1] في (ب) و(ج): (أمْ).
[2] في (ج): (وزنى).