شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

موضوع تجريد الفعل من علامة تثنية وجمع عند تقديمه على ما هو مسند

          ░64▒
          ومنها: (كُنَّ نِساءُ المؤمناتِ يَشهدْنَ مع رسولِ اللهِ(1) صلعم صلاةَ الفجر) (2). [خ¦578]
          وقولُ حارِثَةَ بنِ(3) وَهْبٍ: (صَلَّى بِنَا النبيُّ(4) صلعم ونحنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ). [خ¦1656]
          وقولُ سَالِمٍ: (وكانَ ابنُ عُمرَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ). [خ¦1676]
          وقولُ ابن عَبَّاسٍ ☻: (أَنَا مِمَّن قَدَّمَ النبيُّ صلعم/ ليلةَ المُزْدَلفةِ في ضَعَفَةِ أَهْلِهِ). [خ¦1678]
          وقولُ عُرْوَةَ: (أَمَا إنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى إِمَامَه(5) ).
          وقولُ ابنِ مَسعودٍ ☺: ( أَقْرَأَنِيهاَ النبيُّ(6) صلعم فَاهُ إلى فِيَّ). [خ¦3761] /
          وقولُ النبيِّ صلعم: «كُلُّ سُلَامَىَ عليه صدقةٌ كُلَّ يومٍ». [خ¦2891]
          وقولُه صلعم: «بينَما أَنا نَائِمٌ أَطُوفُ بالكعبة فإذا رجلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يُهادَى بينَ رَجُلَيْنِ». [خ¦3441]
          وقولُ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ(7) : (يا نبيَّ اللهِ، مُرْني بِمَ(8) شِئْتَ). [خ¦3911]
          قلتُ: اللغةُ المشهورةُ تجريدُ الفعلِ من علامةِ تثنيةٍ وجمعٍ عند تقديمه على ما هو مسنَدٌ إليه؛ استغناءً بما في المسنَد إليه من العلامات، نحو: حَضَر أَخَواك، وانطَلَقَ عبيدُك، وتَبِعَهم إِماؤُكَ.
          ومِن العَرَب مَنْ يقولُ: حَضَرَا أَخَواكَ، وانطَلَقُوا عَبيدُكَ، وتَبِعْنَهُم(9) إِماؤُكَ.
          والسببُ في هذا الاستعمالِ أنَّ الفاعلَ قد يَكونُ/ غيرَ قابلٍ لعَلَامة تثنيةٍ ولا جمعٍ كـ: (مَنْ)، فإذا قَصَدتَ تثنيتَه أو جَمعَه والفعلُ مجرَّدٌ لم يُعلَمِ القَصْدُ، فأرادَ أصحابُ هذه اللغةِ تمييزَ فِعْلِ الواحدِ من غيره، فَوَصَلُوهُ عند قَصْدِ التثنية والجَمعِ بعلَامتيهما، وجَرَّدُوهُ عند قَصْد الإِفرادِ، فرَفَعوا اللَّبْسَ، ثمَّ التَزَمُوا ذلك فيما لا لَبْسَ فيه؛ لِيَجرِيَ البابُ على سَنَنٍ واحدٍ. /
          وعلى هذه اللغةِ قولُ النبيِّ صلعم: «يَتَعَاقَبُون فِيكُم مَلائكةٌ». [خ¦555]
          وقولُ مَنْ رَوَى: (كُنَّ(10) نِسَاءُ المؤمناتِ)، وقولُ أَنَسٍ ☺: (وكُنَّ(11) أُمَّهاتي يَحْثُثْنَنِي)، ومِنهُ قَولُ الشاعر:
نَصَرُوكَ قومي فاعْتَزَزْتَ بِنَصْرِهم                     ولو اّْنَّهم خَذَلُوكَ كُنْتَ ذَليلَا
          ومثلُه:
نُسِيَا حاتِمٌ وأَوْسٌ لَدُنْ(12) فَا                     ضَتْ عَطَايَاكَ يَا ابْنَ عبدِ العزِيزِ
          ومثلُه/:
رَأَيْنَ الغَوَاني الشَّيْبَ لَاحَ بمِفْرَقي                     فأَعْرَضْنَ عَنِّي بالخُدُودِ النَّوَاضِرِ (13)
          وفي إضافة (نساء) إلى (المؤمنات) شاهدٌ على إضافة الموصوف إلى / الصِّفَة عند أَمْنِ اللَّبْس؛ لأنَّ الأَصْلَ: وكُنَّ النساءُ المؤمناتُ، وهو نظيرُ (حَبَّةِ الحَــمْقَاءِ)، و(دَارِ الآخِرَةِ)، و(مَسْجِدِ الجامعِ)، و(صَلَاةِ الأُوْلَى)(14).
          وفي قوله: (ونحنُ أَكثرُ مَا كُنَّا قَطُّ) استعمالُ (قَطٍّ) غيرَ مسبوقةٍ بنفيٍ، وهو مِمَّا خَفِي على كَثيرٍ من النحويين(15)؛ لأنَّ المعهودَ استعمالُها لاستغراقِ الزَّمانِ الماضي بعدَ نفيٍ، نحو: (ما فعلتُ ذلكَ قَطُّ)، وقد جاءَت في هذا الحديث دونَ نفيٍ، وله نظائر.
          وجمعُ (ضعيفٍ) على (ضَعَفَةٍ) غريبٌ، ومثلُه: (خبيثٌ) و(خَبَثَهٌ).
          و(أَمَا) _من قولِ عُروة ☺: (أَمَا إنَّ جبريلَ نَزَلَ)_ حرفُ(16) استفتاحٍ، بمنزلةِ (أَلَا).
          وتَكونُ(17) أيضًا بمعنى: (حَقًّا)، ذَكَر ذلك سِيْبَوَيهِ، ولا تُشارِكُها (أَلَا) في ذلك.
          ولا إشكالَ في فتح همزة (أَمَامَهُ)، بل في كَسْرِها/؛ لأنَّ إضافةَ (إمامٍ) معرفةٌ، والموضُع موضعُ الحالِ، فوجب جعلُه نكرةً بالتأويل، كغيره من المعارف / الواقعة أحوالاً، كـ: (أَرْسَلَها العِرَاكَ)، و(جَاؤُوا قَضَّهُمْ بقَضيضهم).
          وفي قوله: (فاهُ إلى فِيَّ) ثلاثهُ أوجهٍ:
          أحدُها: أَنْ يكون الأصل: جاعلاً فاه إلى فِيَّ، فَحُذِفَ الحالُ، وبقي معمولُه كالعِوَض منه.
          الثاني: أَنْ يكونَ الأصلُ: من فيه إلى فِيَّ، فَحُذِفَتْ (من) وتعدَّى الفعلُ بنفسه، فنَصَب ما كان مجرورًا.
          الثالث: أَنْ يكونَ مُؤَوَّلاً بـ: (مُتَشَافِهَيْنِ) كما يُؤَوَّلُ(18) : (بعته يدًا بيدٍ) بـ: (مُتَناجِزَ يْنِ).
          والمعهودُ فيما لـ: (كُلٍّ)(19) مضافاً إلى نكرةٍ مِنْ خَبَرٍ وضمير وغيرهما أَنْ يجيءَ على وَفْقِ المضافِ إليه، كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] و {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4].
          وقد يَجيءُ على وَفْقِ (كُلٍّ) كقولِه: «كلُّ سُلَامَى عليه صَدَقَةٌ» فَذَكَّر الضميرَ مُوافَقَةً(20) لـ: (كُلٍّ)؛ لأنَّه مذكَّرٌ، ولو جاء به على وَفْقِ/ (سُلَامَى) لَأَنَّثَه؛ / لأنَّها مؤنَّثةٌ، ولو فُعِلَ ذلك لكان أَوْلَى.
          والفاءُ في قولِه: «فإذا رَجُلٌ آدَمُ» زائدةٌ، كالأُولى من قولِه تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس:58]، وكالفاء التي قبلَ (ثُمَّ) في قول زُهيرٍ:
أَرَاِني إذا ما بِتُّ بِتُّ على هَوًى                     فَثُمَّ إذا أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ غَادِيَا (21)
          وفي قَولِ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ(22) : (مُرْنِي بِمَ(23) شئتَ) شاهدٌ على إجراءِ (ما) الموصولةِ مُجرَى (ما) الاستفهاميةِ: في حَذْفِ أَلِفِها إذا جُرَّتْ، لكنْ بشَرطِ كَونِ الصِّلَةِ (شاءَ) وفاعلُها. /


[1] قوله: (يشهدن مع رسول الله) ليس في (ج).
[2] أُدرِجَ بعدَه في (ظ) حديثُ حذيفة ☺: (لو متَّ متَّ...) الآتي في المبحث ░70▒.
[3] تصحَّف اسمه في (ج) إلى: (جارية بنت)، وانظر لترجمته تهذيب الكمال: 5/ 318.
[4] في (ج): (رسولُ الله).
[5] في (ظ): (إِمامَ رسولِ الله صلعم).
[6] في (ظ): (رسولُ الله) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[7] كذا باتفاق الأصول، وهو خطأ أصيلٌ؛ لأنَّ المؤلِّف سيكرِّره كذلك، وفي سِياقِ اسمِه سقطٌ، وصوابُه: (سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُمٍ)، انظر لترجمته تهذيب الكمال: 10/ 214، وانظر فتح الباري: 7/ 242.
[8] تصحَّفت في (ج) و(ظ) إلى: (بما)، وأشار بهامش (ظ) إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[9] تصحَّفت في (ج) و(ظ) إلى: (وتبعتهم)، واللغة المشار إليها قيل: هي لغة أزْدِ شَنوءة، كما في إعراب القرآن لابن سِيْدَه: 6/ 321، وقيل: هي لغة بني الحارث بن كعب، كما في شرح ابن عقيل: 2/ 80.
[10] في (ب) و(ج): (وكُنَّ).
[11] في (ج) و(ظ): (فكُنَّ).
[12] في الأصل: (مِن لَدُن)، وهي زيادة مخلَّةٌ بالوزن.
[13] أعيد بعدَه بهامش الأصل البيتُ السابق له بخطٍّ متأخِّرٍ، وهذا البيتُ مقدَّمٌ على الذي قبله في (ج).
[14] أُدرِجَ بعدَه في (ظ) تعليقُ المؤلِّف على حديث حذيفة ☺: (لو متَّ متَّ...) الآتي في المبحث ░70▒.
[15] في (ج): (في نسخة: على أكثَرِ النحويين).
[16] في (ب) و(ظ): (أَمَا حرفُ).
[17] في (ج): (يكون) بالياء.
[18] في (ظ): (يُقال) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ. بهامش (ظ): (في نسخةٍ: المعهود في كلِّ ما لكلِّ).
[19] بهامش (ظ): (في نسخةٍ: المعهود في كلِّ ما لكلِّ).
[20] في (ظ): (لموافقته).
[21] بهامش (ظ): (في نسخةٍ: غازِيَا).
[22] كذا باتفاق الأصول، وهو خطأٌ أصيلٌ، وقد تقدَّم التنبيه عليه في أوَّل الفصل وأنَّ صوابَه: (سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُمٍ).
[23] تصحَّفت في (ظ) إلى: (بما).