شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

عود ضمير مذكر على مؤنث

          ░41▒
          ومنها قولُ رسولِ اللهِ صلعم: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الأيَّامِ». قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ/ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». [خ¦969]
          قال: في هذا الحديث إشكالٌ من جهتين(1) :
          إحدَاهُما: عَوْدُ ضميرٍ مؤنثٍ في (منها) إلى (العمل)، وهو مُذَكَّرٌ.
          والثانية: استثناءُ (رجل) من (الجهاد) وإبدالُه منه، مع تباينِ جِنْسَيْهما.
          فأمَّا الأولُ: فوجهُه أنَّ الألفَ واللَّامَ في (العملِ) لاستغراقِ الجنسِ، فصارَ بهما فيه عمومٌ مُصَحِّحٌ لتأويله بجمعٍ، كغيرِهِ مِنْ أسماءِ الجنسِ المقرونةِ بالألفِ واللامِ الجنسيةِ؛ ولذلك يُستثنى منهُ، نحو: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا}[العصر:2-3]، ويُوصَفُ بما يُوصَفُ به الجمعُ، كقولِهِ تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا (2)}[النور:31]، وكقولِ بعضِ العربِ: (أهلكَ الناسَ الدِّرْهَمُ البيضُ، والدِّينارُ الحُمْرُ).
          فكما جازَ أن يُوصفَ بما يُوصَفُ بهِ الجمعُ لمَا حَدَثَ فيه من العمومِ كذلك يجوزُ أن يُعادَ إليهِ ضميرٌ كضميرِ الجمعِ، فيقالُ/: الدينارُ بها هلكَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ لأنَّهُ في تأويلِ الدَّنانيرِ. و«مَا العملُ في أيامٍ أفضلَ منها في هذه / الأيام»؛ لأنَّه في تأويل الأعمال.
          ويجوزُ أنْ يكونَ أنَّثَ ضميرَ (العمل) لتأويلِهِ بـ: (حَسَنَةٍ)(3) كما أَوَّلَ (الكتابَ) بــ: (صحيفةٍ) مَنْ قالَ: (أتته كتابي).
          وأمَّا الثاني: فالوجهُ فيهِ أنَّه على تقديرِ: ولا الجهادُ إلَّا جهادُ رجلٍ، ثم حُذِفَ المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليهِ مقامَهُ.
          والأصلُ في (ولا الجهادُ): أَوَلَا الجهادُ؟؛ لأنَّ قائلَ ذلكَ مُسْتَفْهمٌ لا مُخبِرٌ، فظهورُ(4) المعنى سوَّغَ حذفَ الهمزةِ كما سوَّغَهُ في قولِ النَّبيِّ صلعم: «وإنْ زنى وإنْ سرق» فإنَّ الأصلَ فيه: أَوَ إنْ زنى وَإِنْ(5) سرقَ؟. /


[1] في (ج) و(ظ): (وجهين)، وأثبت في هامش (ظ) المثبت في المتن.
[2] زاد في (ب): {عَلَى}.
[3] في هامش الأصل: (بجنسه)، وعكس الأمر في (ج).
[4] في (ج): (وظهور).
[5] في (ب): (أَوَ إِن).