شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

نصب المفعول بفعل مضمر بعد الاستفهام الإنكاري

          ░55▒
          ومنها قولُ النبيِّ(1) صلعم: «آلصُّبْحَ أربعًا؟!». [خ¦663]
          وقولُ بعض الصحابة ♥: (فقلتُ(2) : الصَّلاةَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الصلاةُ أَمَامَكَ»). [خ¦139]
          وقولُ عُمَرَ ☺: (إيَّايَ ونَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ ونَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ). [خ¦3059]
          وقولُ المَلَكِ / صلعم في النوم لعبد اللهِ بْن عُمرَ: (لن تُرَعْ، لن تُرَعْ).
          وقولُ النبي صلعم لعليٍّ ☺: «بما أَهْلَلْتَ؟». [خ¦1558]
          وقوله: «لَيَأتِينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أَخَذَ المالَ، أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرامٍ». [خ¦2083]
          وقولُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وقد امْتَرَوْا في المِنْبَرِ ممَّ عُودُهُ: (إنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا عُودُهُ(3) ) . [خ¦917]
          قلتُ: «آلصُّبْحَ أربعاً؟!» منصوبان بـ: (تُصَلِّي) مُضمَرًا، إلَّا أنَّ (الصبحَ) مفعولٌ به، و(أربعًا) حالٌ، وإضمار الفعل في مثل هذا مطَّردٌ؛ لأنَّ معناه / مُشَاهَدٌ، فأَغنتْ مُشَاهَدَةُ معناه عن لفظه.
          وفي هذا الاستفهامِ معنى الإنكارِ، ونظيرهُ قولُك لِمَن رأيتَه يضحكُ وهو يَقرأُ القرآنَ: (آلقرآنَ(4) ضاحِكًا؟!) وشِبْهُ ذلك كثيرٌ.
          ويجوز في قوله: (الصلاةَ يا رسولَ الله؟) النصبُ(5) بإضمار فعلٍ ناصبٍ تقديره: اذكُرْ، أو: أَقِمْ، أو نحو ذلك، والرَّفعُ بإضمار (حَضَرَتْ)/ أو (حانت)، أو نحو ذلك، أو تجعلُ (الصلاةُ) مبتدأً محذوفَ الخبرِ، والتقديرُ: الصلاةُ حاضرةٌ أو حائنةٌ(6)، أو نحو ذلك.
          وفي (وإيَّايَ(7) ونَعَمَ ابن عَوْفٍ) شاهدٌ على تحذير الإنسان نفسَه، وهو بمنزلة أَنْ يأمُرَ الإنسانُ(8) نفسَه، ونظيرُه: (إيَّايَ وأَنْ يَحْذِفَ أحدُكم الأرنبَ).
          ومن الأمر المسنَد إلى المتكلِّم قولُه تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}[العنكبوت:12]، وقولُ النبيِّ صلعم: «قُومُوا [فَلِأُصَلِّ لكم» [خ¦380]، ويجوز:](9) / «فَلِأُصَلِّيَ لكم» بثبوت الياء والنصب على تقدير: فذلك لأُصَلِّيَ لكم.
          وفي (لَنْ تُرَعْ، لَنْ تُرَعْ) إشكالٌ ظاهرٌ(10)؛ لأنَّ (لن) يجب انتصابُ الفعل بها(11)، وقد وَلِيَها في هذا الكلامِ بصورة المجزوم، والوجهُ فيه أَنْ يكونَ سَكَّنَ عينَ (تُراع) للوَقف، ثم شَبَّهَه بسكون الجزم(12)، فحَذَف الأَلِفَ قَبلَه كما تُحذَفُ قبلَ سكون المجزوم، ثم أَجْرَى الوصلَ مُجرى الوقف(13).
          ومِن حَذْف الساكن لسُكون ما بعدَه وَقفًا قولُ الراجز(14) :/ /
أَقْبَلَ سَيلٌ جاءَ مِنْ عِندِ اللهْ                     يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ(15) المُغِلَّهْ
          ويجوزُ أن يكونَ السكونُ سُكونَ جزمٍ على لغة مَنْ يجزم بـ: (لن)، وهي لغةٌ حكَاها الكِسَائيُّ.
          وشَذَّ ثبوتُ الألف في «بما أهللتَ؟»، و«لا يُبالي المرءُ بما أخذ المالَ» و(إنِّي لَأعرفُ مِمَّا عُودُه)؛ لأنَّ (ما) في المواضع الثلاثة استفهاميةٌ مجرورةٌ، فحقُّها أَنْ تُحذَفَ ألفُها فرقًا بينَها وبينَ الموصولةِ، هذا هو الكثيرُ، نحو: {لِمَ تَلْبِسُونَ}[آل عمران:71]، و {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}[النمل:35]، و {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا}[النازعات:43].
          ونظيرُ ثبوتِ الألفِ في الأحاديث المذكورة ثبوتُها في ▬عَمَّا يتساءلون↨، على قراءة عِكْرِمةَ وعيسىَ.
          ومن ثبوتها في الشعر قولُ حَسَّانَ ☺:
على ما قامَ يَشْتِمنِي لَئِيمٌ                     كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمَادِ /
          وقولُ ابنِ(16) أبي رَبيعةَ:/
عجبًا ما عَجِبتَ ممَّا(17) لو اّْبْصَرْ                     تَ خَلِيلِي مَا دُونَه لَعَجِبتَا
لِمَقَالِ الصَّفيِّ فيمَا التَّجنِّي                     وَلِمَا قَدْ جَفَوْتَنا وهَجَرْتَا
          وفي عُدولِ حَسَّانَ عن (عَلَامَ يَقُومُ(18) يَشتِمُني)، وعُدولِ عُمرَ(19) عن (ولماذا) مع إمكانهما دليلٌ على أَنَّهما مُختاران لا مُضطرَّان. /


[1] في (ج): (رسولِ الله).
[2] قوله: (فقلت) ليس في الأصل، والقائل هو أُسامةُ بن زيدٍ ☻
[3] لفظه في الصحيح: (والله إني لأعرف مما هو)، والشاهد واحدٌ.
[4] قوله: (آلقرآنَ) ليس في (ب)، ولا في الأصل وهو مستدرَكٌ بهامشه بخطٍّ متأخِّر.
[5] لفظة: (النصب) ليست في الأصل وهي مستدرَكةٌ بهامشه بخطٍّ متأخِّر.
[6] في (ج): (الصلاة حائنة أو حاضرة).
[7] في (ب) و(ج) و(ظ): (إيَّاي) بدون واو، والمثبَت من الأصل موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[8] قوله: (الإنسان) ليس في (ب) و(ج).
[9] ما بين المعقَّفتين ليس في (ج).
[10] لفظة: (ظاهر) ليست في (ج).
[11] قوله: (بها) ليس في الأصل، وفي (ظ): (بعدَها) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[12] بهامش الأصل: (في نسخة: المجزوم)، وهو المثبَت في (ج).
[13] العبارة مقلوبةٌ في (ج): (ثم أَجرى الوقفَ مُجرى الوصل).
[14] في (ب): (الشاعر)
[15] في (ب): (الجبَّة)، وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية، وفي (ظ): (الحَيَّة)، وهو موافقٌ لِما في بعض نسخ الكامل (كما في هامش تحقيقه: 1/ 74) ولِما في الإنصاف لابن السِّيد ووجَّهه.
[16] في (ظ): (عُمَرَ بن).
[17] في الأصل: (منَّا).
[18] في (ج) و(ظ): (يقول) وهو موافقٌ لما في النسخة القادرية.
[19] في (ظ) زيادة: (ابن أبي ربيعة).