شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

توجيه حديث: انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه

          ░5▒
          ومنها قولُ النَّبيِّ صلعم: «انْتَدَبَ اللَّهُ / لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي». [خ¦36]
          قال: تضمَّن هذا الحديثُ ضميرَ غيبةٍ مضافاً إليه (سبيل)، وضميرَيْ حُضُورٍ، أحدُهما في موضع جرٍّ بالباء، والآخرُ في موضع جرٍّ بإضافة (رسل) إليه. وكان اللائق _في الظاهر_ أن يكونَ بدلَ الياءين هاءان، فيقال: انتدبَ اللهُ لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمانٌ به، وتصديقٌ برسله، فلو قيل هكذا لكان مستغنياً عن تقدير وتأويل، لكنْ مجيئُه يُحوجُ إلى التأويل؛ لأنَّ فيه خروجاً من غيبة إلى حضور، على تقدير اسم فاعلٍ من (القول) منصوبٍ على الحال، محكيٍّ به النافي والمنفيّ، وما يتعلَّقُ به، كأنَّه قال: (انتدب اللهُ لمن خرج في سبيله قائلاً: لا يخرجُه إلَّا إيمانٌ بي، وتصديقٌ برسلي).
          والاستغناء بالمقول النائب عن القول المحذوف حالاً، وغيرَ حالٍ كثيرٌ./
          فمن حذفه وهو حالٌ قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ}[البقرة:127]، أي: قائلَين: ربَّنا تقبل منا، ومثله: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم}[الرعد:23-24]، أي: قائلينَ سلامٌ عليكم، ومثله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا}[غافر:7]، أي: قائلينَ.
          ومن حذفه وهو غيرُ حالٍ قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران:106] / ، أي: فيقال لهم: أكفرتم، ومثله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، أي: يقولون: ما نعبدهم.
          ويجوز أن تكونَ الهاءُ من (سبيله) عائدةً على (مَنْ) ولـ: (سبيله) نعتٌ محذوفٌ، كأنَّه قيل(1) : انتدبَ اللهُ لمن خرج في سبيله المرضيَّةِ، التي نُبِّه عليها بقوله: {إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان:57]، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}[الإنسان:3] _فإنَّ النعتَ يُحذفُ/ كثيراً إذا كان مفهوماً من قُوَّةِ الكلام، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85]، أي: إلى مَعَادٍ أَيِّ مَعَادٍ، أو: إلى معادٍ تُحبُّه، وكقوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ}[الأنعام:66]، أي: قومُكَ المعاندون_ ثم أُضْمِرَ بعد (سبيله) قولٌ حُكيَ به ما بعد ذلك، لا موضع له من الإعراب. /


[1] في (ج): (قائل).