شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

الكلام على الفعل «يوشك»

          ░52▒
          ومنها قولُ النبيِّ صلعم: «يُوشِكُ أَنْ يكونَ خيرَ مالِ المسلمِ غَنَمٌ يَتبَعُ بها شَعَفَ الجِبَالِ». [خ¦19] /
          وقولُ أبي بَكرٍ لعُمرَ ☻: «وَمَا عَسَيتَهُم أَنْ يَفعَلُوا(1) بي(2) ؟!». [خ¦4240] [خ¦4241]
          وفي حديثٍ آخَرَ: (وكانَ أَبو بكرٍ لا يَكَادُ يَلتَفِتُ في الصلاةِ، فالتَفَتَ فإذا هو بالنبيِّ صلعم ورَاءَهُ) (3). [خ¦2690]
          وقولُ أَنَسٍ ☺: (فمَا جَعَلَ يُشيُر بيدِهِ إلى ناحيةٍ من السَّماءِ إلَّا / تَفَرَّجَتْ(4) ) . [خ¦1033]
          وفي حديث جُبيرِ بْن مُطْعِمٍ: (فَعَلِقَتِ الأَعرابُ(5) يَسأَلُونَه، حتَّى اضْطَرُّوهُ إِلىَ سَمُرَةٍ)، وفي روايةٍ: (فَطَفِقَتِ الأَعرابُ(6) ). [خ¦2821]
          وقولُ عائشةَ ♦: (لقد رأيتُنَا مع رسولِ اللهِ صلعم وما لَنا مِن طَعَامٍ إلَّا الأَسْوَدَانِ).
          وقولُ حُذَيفةَ ☺: (رَأَيْتُني أَنَا ورسولَُ اللهِ صلعم نَتَوَضَّأُ مِن إِناءٍ واحِدٍ). /
          قلتُ: (يُوشِكُ) مضارعُ (أَوشَكَ)، وهو أَحدُ أفعالِ المقارَبةِ، وتَقتَضي(7) اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوبَ المحلِّ، لا يكونُ إلَّا فِعلاً مُضارِعًا مَقرونًا بـ: (أَنْ)، كقول الشاعر:/
إذا المَرْءُ لم يَغْشَ(8) الكَرِيهةَ أَوْشَكَتْ                     حِبَالُ الهُوِيْنَىَ بالفتىَ أَنْ تَقَطَّعَا (9)
          ولا أعلم تجرُّدَه من (أَنْ) إلَّا في قولِ الشاعر:
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنيَّتِهِ                     في بعضِ غِرَّاتِهِ يُوافقُها
           [وفيما خَرَّجَ أبو داود والتِّرْمِذيُّ وابنُ ماجَه والدَّارِمِيُّ، عن المِقْدَام(10) بن مَعْدِي كَرِب الكِنْدِيِّ ☺: أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قال: «يوشكُ الرجلُ مُتَّكئًا على أَريكتِه يُحَدَّث بحديثٍ من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتابُ الله، فما / وجدنا فيه من حَلَالٍ اسْتحلَلْنَاهُ، وما وجدنا فيه من حَرامٍ حَرَّمْنَاهُ»](11).
          وقد يُسْنَدُ إلى (أَنْ) والفعلِ المضَارعِ، فَيَسُدُّ ذلك مَسَدَّ اسمِها وخبرِها، وفي هذا(12) الحديث شاهدٌ على ذلك، ومثلُه قول الراجز:
يُوشِكُ أَنْ تبلُغَ مُنتهى الأَجَلْ                     فالبِرَّ لَازِمْ(13) بِرَجَاءٍ وَوَجَلْ
          ويجوز في (خَير) و(غَنَم) رفعُ أحدهما على أنه اسم (يكون) ونصبُ الآخر على أنه خبرُه.
          ويجوز رفعُهما على أنهما مبتدأٌ وخبرٌ في موضع نَصْبٍ خبرًا لـ: (يكون) واسْمُه ضميرُ الشأن؛ لأنَّه كلامٌ تضمَّن تحذيرًا وتعظيمًا لِما يُتوقَّعُ، وتقديمُ ضمير الشأن عليه مُؤَكِّدٌ لمعناه.
          وفي قول أبي بكر لعمر ☻: (وَمَا عَسَيتَهُم أَنْ يَفْعَلُوا(14) بي؟!) شاهدٌ على/ صحة تضمين فِعْلٍ معنى فِعْلٍ آخر وإجرائه مُجراهُ في التعدية؛ فإنَّ (عسى) في هذا الكلام قد ضُمِّنَتْ معنى (حَسِبَ(15) ) وأُجْرِيَتْ(16) مُجراها، / فَنَصبتْ ضميرَ الغائبين على أنَّه مفعولٌ أولُ، ونصبت (أَنْ يفعلوا) تقديرًا على أنه مفعولٌ ثانٍ.
          وكان حَقُّه أن يكونَ عاريًا من (أَنْ) كما لو كان بعد (حَسِبَ)، ولكن جيء بـ: (أَنْ) لئلَّا تخرجَ (عسى) بالكلية عن مقتضاها، ولأنَّ (أَنْ) قد تَسُدُّ بصلتها مَسَدَّ مفعولي (حَسِبَ(17) ) فلا يُسْتبعدُ مجيئُها بعد المفعول الأول بدلاً منه وسَادَّةً مَسَدَّ ثاني مفعوليها، ومن ذلك قول الشاعر:
وحِنْتَ ومَا حَسِبْتُكَ أَنْ تَحِينَا (18)
          ونظيرُ تضمين (عسى) معنى (حَسِب) تضمينُ (رَحُبَ) معنى (وَسِعَ) في قول من قال: (رَحُبَكُم الدُّخُولُ في طاعةِ الكَرْمَاني؟!).
          ويجوز جعلُ تاءِ (عَسَيتهم(19) ) حرفَ خطابٍ، والهاءِ والميمِ اسمَ/ (عسى)، والتقدير: عساهم أَنْ يفعلوا بي، وهذا وَجْهٌ حَسَنٌ، وفيه نَصْرٌ(20) للفَرَّاءِ في كونِ / تاءِ {أَرَأَيْتُكُم} [الأنعام:40] حرفَ خِطَابٍ، وفاعلِ (رأى) الكافَ والميمَ.
          وفي قول عائشة وحُذَيفةَ ☻ شاهدان على إجراء (رَأَى) البصَريةِ مُجْرى (رَأَى) القَلْبية: في أَنْ يُجْمَعَ لها بين ضَمِيرَيْ فاعلٍ ومفعولٍ لِمُسَمًّى واحدٍ، كـ: (رَأَيْتُنَا) و(رأيتُني)، وكان حَقُّه أن لا يجوزَ، كما لا يجوز: (أبْصَرْتُنا) و(أبصرتُني)، لكنْ حُمِلَتْ (رأى) البصَرية على (رأى) القَلبية لشَبَهِها بها(21) لفظًا ومعنًى.
          ومن الشواهد الشعرية على ذلك قولُ قَطَرِيِّ بْنِ الفُجَاءَة(22) :
ولقد أَرَاني للرِّمَاحِ دَرِيئةً                     مِنْ عَنْ يَمِيني تَارَةً(23) وأَمَاِمي
          ومثلُه قولُ عَنترةَ:
فرأَيتُنا(24) ما بَيْنَنا مِنْ حَاجزٍ                     إلَّا المِجَنُّ ونَصْلُ سَيفٍ مِفْصَلِ(25) / /


[1] تصحَّفت العبارة في (ب) إلى: (وما عسيتم أن تَفعلوا).
[2] في (ظ): (فيَّ) وأشار إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[3] أغفَل المؤلِّف الكلامَ على هذا الحديث، وقضية إيراده _والله أعلم_ الاستشهادُ به على صحَّة ما ذَهَب إليه في شرحه على الكافية الشافية ░1/ 466-469▒.
[4] في (ظ): (انْفَرَجَتْ)، وهو موافقٌ للفظ الحديث في صحيح البخاريِّ برقم: ░933▒.
[5] هكذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي روايته عن الكشميهني _التي أشار إليها المؤلف_: «فطَفِقت الأعراب»، وفي رواية غيرهما: «فعَلِقَه الناسُ»، وهو المثبَت في متن اليونينية، وفي (ظ): (في نسخة زيادة: برسول الله صلى الله عليه و سلم ).
[6] في (ج) و(ظ) زيادة: (يسألونه).
[7] في (ج) و(ظ): (ويقتضي) بالياء.
[8] بهامش (ب): (في نسخة: يَخْشَ)، ومثله في (ظ).
[9] بهامش (ظ): (في نسخة: تَخَدَّعا)، وبهامش الأصل بخطٍّ متأخِّرٍ عن خطِّ الأصل زيادة: ومن ذلك قول الشاعر: ~ولَو سُئِلَ الناسُ الترابَ لأَوْشَك وإذا قِيلَ هاتُوا أَنْ يَمَلُّوا وَيَمنَعُوا) انتهى. والبيت أنشده ثعلب في مجالسه: ص365، والزَّجَّاجيُّ في أماليه: ص124، بلا نِسبةٍ.
[10] هكذا على الصواب في (ظ)، وهو موافقٌ للنسخة القادرية، وفي سائر الأصول: (عن أبي المقدام)، وهو خطأ محض، وانظر تحفة الأشراف: ░11553، 11570▒.
[11] ما بين المعقَّفتين ليس في الأصل، وهو مستدرَكٌ في هامشه بخطٍّ متأخِّر مغاير لخط الأصل، والحديث بهذا اللفظ أخرجه ابن ماجه ░12▒ والدارمي ░586▒، وبمعناه أخرجه أبو داود ░4604▒ والترمذي ░2664▒.
[12] لفظة: (هذا) ليست في (ج).
[13] في (ب): (فالبِرُّ لازِمٌ)، وهو ضبطٌ مخلٌّ بالوزن.
[14] تصحَّفت العبارة في (ب) إلى: (وما عسيتم أن تَفعلوا).
[15] في (ظ): (حسبتُ) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[16] في الأصل: (فأجريت) بالفاء.
[17] في (ظ): (حسبتُ) وأشار بهامشها إلى ورود المثبَت في نسخةٍ.
[18] في الأصل: (تَحِنَّا)، وتصحَّف الشطر في (ظ) إلى: (وجِئتَ... تَجينا). والشاهدُ عجز بيت بلا نسبة في تفسير الطبري: 14/ 180، وتفسير الثعلبي: 6/ 44، وشرح التسهيل للمؤلِّف: 1/278، والجنى الداني: 95/141 ومعجم شواهد العربية: 1/387، وصدره: ~لسانُ السُّوءِ تُهدِيها إِلَينا...............
[19] تصحَّفت في (ب) إلى: (عسيتم).
[20] هكذا في (ب)، وهو موافقٌ للنسخة القادرية، وفي سائر الأصول: (نَظَرٌ)، وفي الأصل: (نَظَرُ الفَرَّاءِ) بالإضافة، وانظر معاني القرآن للفرَّاء: 2/ 6.
[21] العبارة في (ظ): (تَشبيهًا لها بهِ).
[22] في (ظ): (في نسخة زيادة: المازني)، والبيت له في أمالي القالي: 2/190، وحماسة أبي تمَّام (بشرح التبريزي): 1/ 35، وبشرح المرزوقي: 1/136، والأصول لابن السرَّاج: 1/ 358، وشرح التسهيل للمؤلِّف: 2/93، وشرح ابن عقيل: 3/ 29، وشرح شواهد المغني: 1/438، وخزانة الأدب: 10/158، والتصريح: 2/19، والدر المصون: 11/57.
[23] في الأصل: (مَرَّةً)، وهو موافقٌ لرواية الحماسة والأمالي.
[24] في (ب): (ورأيتنا).
[25] في (ب) و(ج): (مِقْصَلِ) بالقاف بدل الفاء، وفي (ظ): (مَنصِلِ).