شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

الكلام على خبر «جعل»

          ░24▒
          ومنها قولُ رسولِ اللهِ صلعم: «فَجَعَلَ كلَّما جاء لِيَخْرُجَ رَمى في فيه بحجرٍ». [خ¦1386]
          وقولُ أنس: «فما جعلَ يُشيرُ بيدهِ إلى ناحيةٍ من السَّماء إلَّا تَفَرَّجَتْ». [خ¦1033]
          وفي آخر: «وكان أبو بكرٍ لا يكادُ يلتفتُ في الصَّلاةِ، فالتفتَ فإذا هو بالنبيِّ صلعم وراءَه». [خ¦2822]
          وفي حديث جبير بن مُطعِم: «فَعَلِقتِ الأعرابُ يسألونه حتى اضطرُّوه إلى سَمُرَةٍ». ويُروى: (فطفقتْ).
          وقول الصَّاحب ☺: «فجعلَ الرجلُ إذا لم يستطع أَنْ يخرجَ أرسل رسولاً». [خ¦4770]
          قال: تضمَّن هذا الكلامُ وُقوعَ خبرِ (جَعَلَ) الإنشائية جملةً فعليةً مُصَدَّرةً بـ: (كلما)، وحقُّه أن يكونَ فعلاً مضارعاً كغيرها من أفعالِ بابِ المقاربةِ، فيقالُ: (جعلتُ أفعلُ كذا) /، ولا يُقالُ: (جعلتُ كلَّما شئتُ فعلتُ)، ولا نحو ذلك. /
          قال الشَّاعرُ:
وقد جعلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني                     ثَوْبِي فأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّارِبِ الثَّمِلِ
          فما جاءَ هكذا فهو موافقٌ للاستعمال المطَّرد، وما جاء بخلافه فهو مُنَبِّهٌ على أصلٍ متروكٍ، وذلك أَنَّ أفعالَ الإنشاء وسائرَ أفعالِ بابِ المقاربة مثلُ (كان) في الدخول على مبتدأ وخبرٍ، فالأصلُ أن يكونَ خبرُها مثلَ خبرِ (كان) في وقوعه مفرداً وجملةً اسميةً، وجملةً فعليةً، وظرفاً، فَتُرِكَ الأصلُ والتُزِمَ كونُ الخبر فعلاً مضارعاً، ثم نُبِّهَ شُذُوذاً على الأصل المتروكِ بوقوعِه مفرداً في:
......... عَسِيتُ صائماً
          و:
......... ماكِدْتَ آيبَا /
          وبوقوعه جملةً اسميةً في قوله:
وقد جَعَلَتْ قَلُوصُ ابني سُهيلٍ                     من الأكوارِ مَرْتَعُها قريبُ/
          وبوقوعه جملةً من فعلٍ ماضٍ مُقَدَّمٍ عليه (كلَّما) في «فجعلَ(1) كلما جاء ليخرج» و [بوقوعه جملة فعليهً مصدَّرة بـ: (إذا)] (2) في «فجعل الرجلُ إذا لم يستطع أن يخرجَ أرسلَ رسولاً».
          وفي «فما جَعَلَ يشير» غرابةٌ؛ لأنَّ أفعالَ الشروعِ إنْ صَحِبَها نفيٌ كان مع خبرها، نحو (جعلتُ لا أَلْهُو)، وقد نَدَرَ في هذا الحديث دخولُ (ما) على (جعل) وسَهَّلَ ذلك أنَّ معنى (ما جعل يفعلُ) و(جعل لا يفعلُ) واحد.
          ويدخل نافٍ(3) على (كاد) لنفي خبرها، ونفي مُقَارَبَتهِ، نحو: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}[النور:40].
          ومنه قولَ ذي الرُّمةِ: /
إذا غَيَّرَ النأيُ المحبِّينَ لَمْ يَكَدْ                     رَسِيسُ الهوى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
          و(4) لنفي سهولة إيقاعِ الفعل، نحو: {لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}[الكهف:93] (5) .
          ومنه: «وكان أبو بكرٍ ☺ لا يكادُ يلتفتُ في الصلاة فالتفتَ».
          وفي «فَعَلِقَتِ الأعرابُ يسألونَه» شاهدٌ على موافقة (عَلِقَ) لـ: (طفق) معنىً وحكماً، كقوله:/
أراكَ عَلِقْتَ تَظْلِمُ مَنْ أَجَرْنَا                     وظُلْمُ الجارِ إذْلَالُ المُجِيرِ /


[1] في الأصل: (جعل).
[2] ما بين معقفين زيادة من النسخة القادرية.
[3] في (ج) و(ب): وتدخل ما.
[4] في (ج): (ويدخل).
[5] في (ج): ({لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيْثًا} [النساء:78]) وأشار للمثبت في الحاشية.