التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها

          ░29▒ (باب لاَ يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا).
          قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ _ أي: عامر _: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ المِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}[المائدة:14]) هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن وكيع: حدَّثنا سفيان عن داود عنه قال: لا تجوز شهادة ملَّة على ملَّة إلا المسلمين، وحدَّثنا حفص عن الأشعث عن الحكم وحمَّاد عن إبراهيم والشعبي والحسن أنهم قالوا: لا تجوز شهادة أهل ملَّة إلا على أهل ملتها اليهودي على اليهودي والنصراني على النصراني، وحكاه أيضًا عن الزهري وحمَّاد والضحاك والحكم وابن أبي ليلى وعطاء وأبي سلمة، زاد: إلى المسلمين.
          وعن إبراهيم وشريح: يجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض للمسلمين، وقبل شريح وعمر بن عبد العزيز والشعبي ونافع وسفيان ووكيع شهادة أهل الشرك بعضهم على بعض، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وخالفهم الثلاثة وأبو ثور، واحتجَّ الكوفيون على قبول شهادة أهل الشرك بعضهم على بعض بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر: أنَّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلعم برجل وامرأة قد زينا فأمر بهما فرجما، قلت: إنَّما رجمهما باعترافهما لا بالشهادة، كيف وأنتم تقولون: شرط الرجم الإسلام؟ وقال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق:2] وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة:282]، وقوله صلعم : ((لا تصدقوا أهل الكتاب)) ومعنى ((لا تكذبوهم)) يعني: فيما ادعوه من الكتاب ومن أخبارهم ممّا يمكن أن يكون صدقًا أو كذبًا لإخبار الله تعالى عنهم أنهم بدلوا الكتاب ليشتروا به ثمنًا قليلًا، ومن كذب على الله؛ فهو أجرأ بالكذب في سائر حديثه، وسأل بعض علماء النصارى محمَّد بن وضَّاح: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقص وكتابنا بخلاف ذلك؟
          فقال: لأنَّ الله تعالى وكَّل حفظ كتابكم إليكم، فقال: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ}[المائدة:44]، وما وكله إلى المخلوق دخل فيه الخرم والنقصان، وقال في كتابنا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]، فتولى سبحانه / حفظه، فلا سبيل إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان.